طريرك الراعي: الزيارة إلى تركيا ليست سياسية بل رعوية
زيارة البطريرك الى تركيا، اليوم الأول
تركيا، الاثنين 2 أبريل 2012 (ZENIT.org). – غادر غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي صباح يوم الخميس 29 آذار 2012 مطار رفيق الحريري الدولي متوجهاً إلى تركيا في زيارة رسمية سيبحث في خلالها أوضاع الموارنة في تركيا وقبرص الشمالية إضافة إلى القضية الأرمنية. يرافقه النائب البطريركي العام المطران بولس الصيّاح، راعي أبرشية قبرص المارونية المطران يوسف سويف، راعي أبرشية حلب المطران أنيس أبي عاد والمدير الإعلامي في الصرح البطريركي المحامي وليد غيّاض.(...)
قبيل المغادرة أكّد غبطته أنّ الزيارة تحمل طابعاً راعوياً روحيّاً وهي تدخل في إطار تعزيز الحوار بين الأديان
(...)
وزيارتنا اليوم إلى تركيا تحمل طابعاً راعوياً روحياً نوّد الحفاظ عليه.
وتابع:"سيكون لنا لقاءات روحيّة مع البطريرك المسكوني والسلطات الكنسية في تركيا. ونحن نلبّي اليوم دعوة رسمية لزيارة تركيا الّتي تربطها بلبنان علاقات تعاون تجسّدت بوضوح من خلال مشاركتها بقوّات اليونيفيل في الجنوب الّلبناني،إضافة إلى عدد من الأمور المشتركة التي نحن بأمسّ الحاجة إلى التّحدث عنها معهم اليوم وهي تتعلّق بأبناء الطائفة في تركيا وفي قبرص الشمالية ويرافقنا في هذه الزيارة مطران حلب لأنّ الرعيّة المارونيّة في تركيا تابعة لأبرشية حلب، كما يرافقنا راعي أبرشية قبرص المارونيّة المطران يوسف سويف.
و أضاف غبطته:"هذه الزيارة تمثّل أيضاً عيشنا للحوار بين الأديان لما فيه من خير وسلام للعالم أجمع. ونحن كبطريركية لنا دور هام لأننا بطابعنا الراعوي نتعاطى شؤوناً إنسانية وراعوية إضافة إلى شؤون العيش معاً والسلام والتفاهم.
وتابع غبطته:" من المؤكد انّ زيارتنا لا تحمل أي طابع سياسي فنحن لسنا رجال سياسة وإنّما الطابع الراعوي لهذه الزيارة بأوجهه الإجتماعية والروحية والراعوية والإنسانية هو الذي يطغى اليوم.".
- التقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، بعد ظهر اليوم، رئيس دولة تركيا عبد الله غول، في القصر الرئاسي في أنقرة، في إطار زيارته الراعوية إلى تركيا، وكان بحث في المواضيع المتعلقة بشوؤن الموارنة في قبرص الشمالية وفي تركيا، إضافة الى القضية الأرمنية، والوضع في المنطقة وخاصة في سوريا، كما نقل غبطته تحيات فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان.
وفي نهاية الّلقاء، أشار النائب البطريركي العام المطران بولس الصيّاح إلى "أنّ أجواء الّلقاء كانت إيجابية جداً، وقد تمّ البحث في القضايا المتعلقة بمسألة التواجد الماروني في تركيا واستعادة أملاكهم، إضافة إلى مسألة الموارنة في القرى الأربعة في قبرص الشمالية، وإتاحة المجال أمام عودتهم إلى قراههم.
- وفي الشأن السياسيّ ورداً على سؤال الرئيس التركي للبطريرك الراعي حول رأيه في ما يدور في سوريا، أشار الصيّاح إلى أنّ رأي غبطته في هذا الإطار واضح جداً وهو لطالما كرّره معبراً عن رفضه للعنف ودعمه للسلام والحوار وإيجاد الحلول من خلال المبادرات والمساعي الدولية ومنها مبادرة كوفي انان، للوصول الى تحقيق ما يصبو اليه الشعب السوري من اصلاحات تحقق الديمقراطية والحريات العامة وتحفظ حقوق الانسان.
- وأكّد الصيّاح "أنّ المواقف في هذا الشأن جاءت متطابقة مع مواقف الرئيس التركي الذي لا يؤيّد سفك الدماء والحروب أبداً انما يدعم الاستقرار والازدهار للجميع.
- وكان البطريرك الراعي قد التقى ظهراً، رئيس الشؤون الدينيّة التركية الدكتور محمد كورماز في المجلس الأعلى للشؤون الاسلاميّة في أنقرة، بحضور نائب رئيس الشؤون الدينيّة الدكتور أكرم كلش ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية الدكتور راشد كوجوك.
- بداية اللقاء، شكر البطريرك الراعي تركيا على "الدعوة التى وجهتها إليه لزيارة هذا البلد"، معرّفاً بالوفد المرافق، وقال: "يرافقنا ايضاً المطران انيس ابي عاد رئيس اساقفة حلب، لأنّ الموارنة في بعض المناطق التركية تابعون لأبرشية حلب، والمطران يوسف سويف هو راعي أبرشية قبرص المارونية، حيث نملك في القطاع الشمالي منها، أربع مناطق مارونيّة نزح أهلها منها بسبب الاحداث هناك".
وبعدها شرح البطريرك الراعي لما تعنيه كلمة الموارنة قائلاً: "إنّها كلمة مشتّقة من إسم القديس مارون، فنحن مسيحيّيون كاثوليك، ومار مارون عاش بين حلب وأنطاكيا، وتوفي سنة 410 أي في الجيل الخامس، ونحن في الكنيسة الأنطاكية السريانيّة أطلق علينا لقب موارنة نسبة إلى مار مارون، وأنطاكيا هي أوّل كرسي أسّسه مار بطرس قبل روما، كذلك وجد في أنطاكيا أوّل أتباع يسوع المسيح، وأطلق عليهم تسمية المسيحيّين. وتابع غبطته:"كما أن لقبي هو بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق التّي كانت تعني السلطنة العثمانية في الماضي، أي أن الولاية البطريركية كانت ممتدّة على ما يعرف بالسلطنة العثمانية آنذاك بما فيها قبرص. ولهذا السبب، يحمل البطريرك الماروني إسم بطرس. لذلك، جذورنا في تركيا، ونحن موجودون كموارنة في كلّ العالم، نحن سعداء لوجودنا في تركيا، وخصوصاً في هذه الزيارة، ولأنّنا معنيون بالعلاقات المسيحية - الاسلامية في دولة علمانية تحترم الاديان السماوية، ولتركيا دور مهم جدا في هذا الموضوع. لبنان نسميه دولة مدنية تفصل الدين عن الدولة، الحكم والادارة لا يمارسان بواسطة الاحزاب السياسية، وانما انطلاقاً من مبدأ الانتماء الطائفي. وهذا يعني اننا كمسيحيين ومسلمين وضعنا في عام 1943 الميثاق الوطني لنتشارك معاً بالمساواة في الحكم والادارة أي بالمناصفة، وما يدل على ذلك أن رئيس الجمهورية هو مسيحي ماروني، ورئيس مجلس النواب ينتمي الى الطائفة الشيعية ورئيس مجلس الوزراء ينتمي الى الطائفة السنية، وبقية المراكز تأتي مناصفة. إذن، لا دين للدولة في لبنان، بل هو يحترم كل الديانات مع كل حرية العبادة والضمير والمعتقد. لذلك، لا يمكن للبنان الا ان يكون ديموقراطياً ولا امكانية ابداً لوجود نظام ديكتاتوري فيه. كل الحريات الشخصية الفردية في لبنان معترف بها، وشرعة حقوق الانسان معترف بها ايضاً، ومن موقعه الجغرافي والاجتماعي لعب لبنان دور الجسر بين الشرق والغرب، جسر ثقافي، تجاري، اقتصادي وعمراني، ولقد لعب هذا الدور باستمرار بانفتاحه على الشرق والغرب، ولكونه يعيش هذا الواقع. لذلك، يتأثر لبنان بكل ما يحيط به، فهو منفتح على كل الاديان على مستوى الحوار، وعلى المستوى المسكوني منفتح على كل العلاقات مع الكنائس".
بعدها، كانت كلمة للدكتور كورماز قال فيها: "أرحب بكم غبطة البطريرك وبالمطارنة المرافقين. كما تكرّمتم، لنا تاريخ مشترك منذ اربعة عصور، وهو يستمر اليوم بفضل سهولة التواصل. وان وجود دور العبادة ومختلف الديانات في المنطقة يشكل مثالا لهذه المشاركة".
أضاف: "السلم يبدأ من قلوب الناس، السلم ينبع من قلب الانسان. في الشهور الاخيرة استلمت رسائل من بعض الاقليات المسيحية في بعض الدول وبخاصة البلاد التي عاشت الربيع العربي مؤخراً. استلمنا الرسائل من بعض الكنائس، وهي تحثنا على التحرك مع بعضنا بهدف ارساء السلام. ولقد دعانا بطريرك الارثوذكس في روسيا الى اجتماع حول هذا الموضوع. وكذلك، اجريت بعض الاتصالات الهاتفية مع مسؤولي الكنائس في اسطنبول، وخلال هذه المكالمات، تحدثنا عن العلاقات بين الكنائس العراقية والسورية مع الكنائس في اسطنبول. واريد ان اقول لكم هذا الكلام مرة ثانية، وفي حضوركم، الدين الاسلامي لم يترك لنا مجالاً للتردد في كيفية التعاطي مع الاقليات في المنطقة، لذلك قامت العلاقات بين الاديان على الحقوق والاخلاق، وهذا ما يدل عليه وجود الكنائس في المنطقة، وتفوّق الشرق على الغرب الذي يفتقد لهذه التجارب في هذا المجال. وأنا أؤمن بأن الشرق مؤهل ليعلّم الغرب على التعايش بين الاديان، ونحن نتمنى ان تنتهي هذه المشاكل التي عشناها في المنطقة بطريقة سلمية، ومن خلالها نتمنى ان تتحقق ارادة الشعوب وتعيش الاديان في المنطقة، كما كانت في السابق".
في الختام قدّم رئيس الشؤون الدينية في تركيا الى غبطته هدية هي عبارة عن لوحة مؤلفة من اربع وثائق من ارشيف العهد العثماني كتب فيها متصرف جبل لبنان رسالة الى الباب العالي آنذاك يقول فيها: "إن السيد يوحنا رئيس الكنيسة المارونية يريد فتح مدرسة روما ليتعلم رجال الدين في عهد السلطان عبد الحميد العثماني، وهو يحتاج من اجل ذلك الى مبلغ 10 آلاف فرنك. وفي الوثيقة الثانية كان جواب السلطان عبد الحميد الذي أمر بتخصيص هذا المبلغ اي عشرة آلاف فرنك لتأسيس المدرسة. الفرمان يأتي الى البرلمان الذي يوافق عليه، والوثيقة الثالثة والرابعة والاخيرة تمثل تسليم الاموال الى الكنيسة المارونية وفي ارشيفنا الالاف من الوثائق المماثلة التي تؤكد التعايش المسيحي - الاسلامي".
ثم ردّ البطريرك الراعي قائلاً: "نحن نعرف القصّة، ولكن ليس لدينا الوثائق التاريخية، والواقع انه في عهد البطريرك حنا الحاج . عام 1584 كانت لدينا مدرسة مارونية في روما امّمها نابوليون بونابرت، واردنا فتح مدرسة جديدة. ومن تفاوض معكم، كان البطريرك الياس الحويك، وقد اشترى المدرسة في روما، وهي اليوم مركز البطريركية اشتراها البطريرك يوحنا الحاج في عام 1895. نحن سعداء بهذه الوثائق، وانا ثاني بطريرك يزور تركيا، بعد البطريرك بولس مسعد في عام 1868، وآنذاك حل البطريرك مسعد ضيفاً على الباب العالي في قصر الضيافة. وانا ممتن كثيراً للحصول على هذه الوثاق، ففي عام 1826 بدأ وجودنا الكنسي في هذه المنطقة لخدمة الموارنة، ونحن حريصون على العلاقة المميزة بيننا، لنبني الثقافة والحضارة الاسلامية والثقافة والحضارة المسيحية، حضارة واحدة نعيش فيها سويا، ونحن في العالم العربي نشعر في هويتنا المسيحية شيئا من الاسلام، وكذلك المسلم يشعر في هويته شيئاً من المسيحية. ونحن نساند الشعوب العربية التي تسعى لعيش الربيع العربي بكل الاصلاحات اللازمة، ولكن ليس عن طريق العنف والحرب لانها تزيد الامور صعوبة، وتخلّف الدم والعنف والاحقاد. نحن ضد العنف من أي جهة اتى، ونتطلّع الى ربيع عربي فيه المزيد من الحريات العامة والديموقراطية وحقوق الانسان والتنوع في المجتمعات. ونأمل ان يصل الربيع العربي الى هذه الخطوة الجديدة. هذا ما نسعى اليه، ونرغب في ان نستمر مسلمين ومسيحيين باعطاء شهادة للغرب بأننا لسنا في صراع، بل نعيش في مجتمع واحد غني بالثقافتين".
وفي ختام اللقاء، قدم البطريرك الراعي ميدالية البطريركية والارزة اللبنانية إلى الدكتور كورماز. ومساء، أقام رئيس الشؤون الدينية في تركيا مأدبة عشاء على شرف غبطته شارك عدد من كبار معاونيه اضافة الى الوفد المرافق.
JTK = Envoyé de mon iPad.