الرهبانية الانطونية ودعت رئيسها السابق الياس عطالله بمأتم رسمي ابو جودة: تمتع بروح الحوار والانفتاح على الآخر
ودعت الرهبانية الأنطونية المارونية، بمأتم روحي ورسمي وشعبي مهيب، الرئيس العام الأسبق للرهبانية الأباتي الياس عطالله، بمشاركة ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الوزير بيار رفول، النائب حكمت ديب ممثلا رئيس “التيار الوطني الحر”، شوقي الدكاش ممثلا رئيس حزب “القوات اللبنانية”، المطرانين سمعان عطالله وموسى الحاج، الرئيسة العامة للراهبات الأنطونيات، ورؤساء بلديات ومخاتير وشخصيات من المجتمع الكنسي والمدني.
ترأس صلاة المرافقة الرئيس العام للرهبانية الأباتي مارون أبو جودة بمعاونة الآباء المدبرين ولفيف من الرهبان.
أبو جودة
وألقى أبو جودة كلمة عدد فيها فضائل الراحل، وقال: “إن آلام هذه الدنيا، لا توازي المجد المزمع أن يتجلى فينا”. بهذه الكلمات وصف بولس الرسول العالم النوراني الذي أعده الله لمحبيه، والذي يتجاوز بكثير توقعاتهم وآلامهم. ورغم ذلك، فيما نودع اليوم أخانا الأباتي الياس عطالله الرئيس العام الأسبق لرهبانيتنا الأنطونية، في مسيرته نحو عالم الأنوار السماوي، لا يمكننا أن ننسى السنين الطويلة من عمره التي قضاها في معانقة الصليب حتى النفس الأخير”.
أضاف: “الأباتي عطالله من مواليد غدراس 1930، والده الخوري يوسف عطالله والخورية نجيبة خيرالله، قصد فياض عطالله الرهبانية الأنطونية، ودخل الابتداء عن عمر ثلاث عشرة سنة وحمل اسم الياس. وها هو اليوم يغادرنا عن عمر 87 سنة، أمضى منها 74 سنة في الرهبانية، فكانت الرهبانية بيته وحياته وطموحه وهمه وكل شيء له. هنا ترعرع، وشرب حليب الإيمان، والتقشف، والتكرس، وعاش الصلاة والعمل والغيرة على الرهبانية والكنيسة. وهنا أسهم وربى وبنى وفتح آفاقا واسعة أمام الرهبانية، جعلت منه مرجعية من مرجعياتها، وعلما من أعلامها، وقديسا من قديسيها”.
وتابع: “من هذا المنظار، تتجلى أمامنا حياة أخينا الأباتي الياس عطاالله الذي أعطى ذاته بكليتها للرهبانية، فساهم في نموها الروحي إسهاما ملفتا بشكل مميز. وعمد إلى استثمار مواهبه الكثيرة في الرهبانية”.
وقال: “بعد دراسته اللاهوتية في اليسوعية في لبنان ثم في سانت انسلموس في روما، سيم كاهنا في روما 1959. ثم تابع إجازة في الحق القانوني في جامعة اللاتران. بداية مسؤولياته تسلمه إدارة الطالبية الأنطونية في دير مار أنطونيوس الحدت، ثم إدارة المعهد الأنطوني ورئاسته لغاية 1978. هذه المرحلة من حياته أبرزت الكثير من مواهبه ومواهبيته. وفي الوقت الذي نقيم له صلاة المرافقة، نستحضر دوره التربوي الجامع في منطقة بعبدا، والذي شكل نواة للشراكة بين المدارس الكاثوليكية آنذاك وفي أصعب ظروف الحرب اللبنانية لمواجهة التحديات والصعوبات التي تعرقل حرية التعليم. فكان الأب والمناضل والمربي، كما أسهم في حل الكثير من المعضلات. ولا ننسى مناشداته المتكررة للتضامن وألمعية الكنسية، وللعمل المشترك بين المدارس الكاثوليكية”.
أضاف: “كما لا ننكر عليه، في ضوء سلسلة الرتب والرواتب مع تداعياتها السلبية على حياة الأهل والمدرسة، أنه كان من الأوائل الذين دعوا إلى أن تحمل الدولة مسؤوليتها التربوية في إعالة الأهلين، ودعا إلى إصدار البطاقة المدرسية لجميع التلاميذ، الحلم الذي لم يتحقق بعد خمسين سنة على إطلاقه. وقوفنا أمامه اليوم يذكرنا بضرورة نبذ التشكيك برسالة مدارسنا ومحاولات البعض من الداخل ومن الخارج، النيل من الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، مؤكدين، مع الراحل، على ضرورة التمسك بهذا النهج، كبرنامج عمل ينبغي أن يستمر ويتعزز لتتمكن رسالتنا التربوية اليوم من متابعة طريقها في صقل النفوس على العلم والانفتاح والشراكة الوطنية في سعينا نحو الملكوت”.
وتابع: “وداعا للأباتي الياس، المعلم والمتعلم حتى نفسه الأخير، وداعا للنزاهة والصبر والتواضع والكفاءة، وداعا لمن زرع العطاء وكان من أول الساعين لوحدة العائلة التربوية خاصة خلال ترؤسه بالمحبة دير مار أنطونيوس والمعهد الأنطوني، والذي كان يحلو له بتسميته “التلة”، منارة لبيروت، وللبنان وللشرق”.
وأردف: “تشبث الفقيد بالعمل في متابعة التطور التربوي، وجسد ذلك بعد أن أدخل إلى لبنان الاساليب التربوية المعاصرة في حينه، والتي شكلت نقلة نوعية بالمقاربة التربوية في الشرق”.
وأشار الى أن الراحل أسس “في المعهد الأنطوني سنة 1976 “حركة الإنماء اللبناني”، وسنة 1973 جمعية “كشافة الإستقلال”، و”نادي المعهد الانطوني”، “وقدامى المعهد”، لافتا لالى أنه “بعد انتقاله، اختارته الإدارة راعيا لاحتفال تخرج الصفوف النهائية تحية له، كمدرسة في التربية والتجدد، في الانفتاح والحوار مع الآخر”.
وقال أبو جودة: “أما فترة رئاسته العامة، التي امتدت من 1981 لغاية 1987، فكانت خصبة بما خبره، ونما بداخله، فأسهم من خلاله بإدخال نهج جديد في التعاطي الرهباني، كان ثمرة تفاعله مع تاريخ الرهبانية ومعاصريه. تمتع الأباتي عطاالله بروح الحوار والانفتاح على الآخر. أما على الصعيد الجماعي، ورغم إتساع رسالات الرهبانية، فقد عمل على إحياء الروح الأخوي والجماعي بين الأديار، مدفوعا دائما بهم اللقاء والحوار والعيش المشترك، فكانت لقاءات الرهبان الأسبوعية في أديار الأطراف وفي سائر المناطق، محطة أساسية في مسيرة الراهب نحو الملكوت”.
أضاف: “في أيامه تابعت الرهبانية الأنطونية حركتها النهضوية، فأغناها بأفكاره ورؤيته ومشاريعه، وجدد الأديار وعمل على تطويرها. هذه القيم في حياة الأباتي الياس عطاالله، هي مقاربة صغيرة، طبعت معرفتي به كما معرفة سائر إخوتي الرهبان، وما يتناقله عنه الآخرون، ما أسهم في رسم شخصيته الرهبانية. وحتى بعدما انكفأ بسبب المرض عن نشاطاته الاجتماعية، استمرت صورته مشرقة في عقول وقلوب عارفيه”.
وتابع: “تقديرا لهذه المناقبية التي تعبر عن روحانيته العميقة، وتكريما لعمله التربوي والاجتماعي والوطني، قلد فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وهو الشاهد على نضاله وعمله والتزامه الوطني، أخانا الأباتي الياس وسام الأرز الوطني من رتبة ضابط في ديرنا الأم مار اشعيا، والذي كان له أثر عميق في حياته، حيث تربى فيه وتغذى من روحانيته، ورئسه بالمحبة فترة من حياته، وفيه ختم جهاده الروحي بحمل صليب سيده طريقا إلى القيامة”.
وقال أبو جودة: “فيما نودعه اليوم، نطلب إلى الله كي يمن على رهبانيتنا بدعوات صالحة تحمل نيره منذ الصغر، وتثابر على الأمانة للقيم الإنجيلية والكنسية والإنسانية والوطنية. في وداعه نشعر أن أنظارنا تتسمر نحو العلي كما تسمر الأباتي لسنوات ينظر إليه وينتظر لقياه. وداعه يقوي فينا الرجاء والعزم، لنقوم بعملنا دون أعذار ودون كسل، فنحمل رسالة الفرح والسلام والرجاء للعالم، ونكون رهبانية خصبة تعطي ثمار الحياة للكنيسة في حينه، فلا شيء يمنع المؤمنين من الشهادة لله، وكل عمل وكل ألم وكل فرح هو مناسبة لإعلان الرجاء للعالم”.
أضاف: “رغم هذا الفرح الروحي الذي يغمرنا، أتقدم بإسمي وبإسم الآباء المدبرين وبإسم الجميع بالتعازي لأهله وأقاربه، الذين يفخرون بأن هذه الدعوة التي قصدت بيت الله، عاشت في طريق القداسة وهي لهم علامة للحب والعطاء. ونتمنى أن تزين أيقونة الأباتي الياس بيوتهم وعيالهم، فيكون لهم طريقا وشفيعا يحملهم جميعا إلى الكمال”.
وختم: “ليقبل الله أخانا الأباتي الياس في فسيح ملكوته، وليمطر على الرهبانية وعلى عائلته والأصدقاء غيث الرحمة، ويبث في قلوبنا المحبة المسيحية التي ترفع عقولنا وقلوبنا وحياتنا الأرضية نحو العلاء، فنسعى جميعا إلى اكتساب الفضائل المسيحية، ونتوق إلى الفضائل الإلهية، إلى الاتحاد بالله، حيث لا وجع، ولا ألم، ولا موت، إنما لقاء حول عرش الحمل لنرتل نشيد الظفر: قدوس قدوس قدوس الرب الإله ملك السماء والأرض، مبدأ وغاية وجودنا، له المجد إلى الأبد”.
وبعد الصلاة ووري الجثمان في الثرى في مدافن الرهبانية – دير مار روكز – الدكوانة.
تقبل التعازي يوم غد الجمعة من الحادية عشرة صباحا لغاية السادسة مساء.