قلق مسيحي متزايد في سوريا
تفجيرا حلب وتفاقم الأحداث في حمص تُضاعف قلق السلطات الكنسية، ازدياد اللاجئين المسيحيين على الحدود في ظلّ رقابة عسكرية مشدّدة
مع تزايد اعمال العنف في سوريا، وبالتزامن مع معطيات عن انقسام طائفي يتهدد البلاد، تعود الى الواجهة مسألة اوضاع الاقليات، وخصوصاً المسيحية منها. واذا كان النداء الذي وجهه البابا بينيديكتوس السادس عشر الأحد الماضي يكتسب اهمية ولا سيما في دعوته الحكومة السورية الى الاعتراف بطموحات شعبها المشروعة وبدء حوار وطني لإنهاء العنف والتجاوب مع مخاوف المجتمع الدولي في شأن القتل، فان توقيت الاعلان ومضمونه لا يبدوان منفصلين عن سلسلة معطيات باتت في متناول السلطات الكنسية في الفترة الأخيرة، وفقاً لمصادر ديبلوماسية معنية.
ووقت شكل مقتل الاب باسيليوس نصار في حماه احد "أجراس الانذار" المتزايدة التي سرعت وتيرة العمل على هذا الملف، فان الحادث تزامن مع معلومات أمست في متناول المعنيين وخصوصاً بعد تفاقم الأحداث في حمص وتفجيري حلب. خلاصتها ان المجموعة المسيحية باتت تخضع لقمع مزدوج، واحدهما وحشي ينفذه النظام وأجهزة مخابراته، والآخر عنيف يرتبط بالاسلام التكفيري والراديكالي المسلح.
وثمة روايات متعددة المصدر عن محاولات تضييق تعرضت لها بعض الطوائف والكنائس ولا سيما خلال احيائها احتفالات الميلاد. لعل ابرزها ما نقله الاعلام الكاثوليكي والفاتيكاني عن مطران الموارنة في دمشق سمير نصار عن ان حضور الاحتفالات في عدد من الكنائس لم يتجاوز عشرات الاشخاص، فشهادات لرئيسات اديرة عن موانع حالت دون رفع بعض الشعائر المسيحية في مناطق وفي مناسبات معينة. وضاعف من هذا الواقع كلام للسفير البابوي في سوريا ماريو زيناري عن تردّي أوضاع الأديرة التي قطعت خطوط الاتصال معها في حمص، فيما تتكرّر المعطيات عن مجموعات مسلحة باتت خارجة عن اي رقابة وتسعى الى فرض سيطرتها. وهذه كلها مؤشرات تعكس وفقاً لمصادر معنية، جانباً من خلفيات النداءات الكنسية ولا سيما عبر الدعوة الى حل سلمي وسريع للازمة السورية.
ويبدو انه لم تغب عن التقارير المتعددة الجهة، مؤشرات واضحة الى الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردّي والنقص في المواد الاولية كالبنزين والغاز والكهرباء، الى آثار التضخم التي تفعل فعلها، وسط ارتفاع منسوب القلق حيال واقع الكنائس في هذا الجزء من العالم. وينقل مسؤولون كنسيون في سوريا كلاماً متزايداً عن تفكير شباب سوريين كثر بالرحيل في اتجاه لبنان حيث "نبض الكنيسة"، علماً ان هذا الأمر بات دقيقاً بسبب الرقابة العسكرية، على قولهم. وتشير الصحيفة الكاثوليكية العريقة "افينير" الى ارتفاع عدد اللاجئين المسيحيين على حدود لبنان وخصوصاً في المناطق التي تشهد اشتباكات، بالتزامن مع مجموعة تساؤلات للمطران نصار. لبّها ان الأزمة في سوريا وصلت الى نقطة اللاعودة، في ظلّ التناحر المتواصل بين الاطراف. ويعلّق "كيف يمكن ان نحافظ على دورنا بين اسلامين متناقضين من دون ان نكون ضحية؟".
في أي حال، لا تفصل المصادر المعنية بين هذه الوقائع واعلان زيارة محتملة للبابا بينيديكتوس السادس عشر الى بيروت والتي يرجح ان تلقى ترجمتها في ايلول المقبل. ورغم تشديدها على ان تأكيد زيارات كهذه لا يتم الا قبل بضعة أسابيع من تاريخ حصولها، تتقاطع المعطيات عن تصدر برنامج جولته التي تأتي بعد 15 عاماً على الرحلة التي قام بها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الى بيروت، اعلانه ارشاداً رسولياً يختتم به اعمال سينودس الشرق الاوسط.
ويبدو ان ثمة سعياً الى ان تشكل الزيارة الاولى للبابا الحالي الى المنطقة في ظلّ التحولات المرافقة لـ"الربيع العربي"، مناسبة يبلور عبرها الكرسي الرسولي مواقف واضحة من التطورات الجارية. فحواها، تجديد تمسكه المتجذّر ومن بيروت، بالوجود المسيحي في هذا الجزء من العالم.
المصدر: النهار - 2/15/2012