أرجوكم انتبهوا الى لبنان الجنوبي. أنا اقدر أن أحرر سيناء من الاحتلال، ولكن لا
اقدر على القتال من اجل لبنان الجنوبي. أرجوكم لا تستفزوا لبنان لأي نكسة، أو لأي ضربة جمال عبد الناصر
يتعرض اللبنانيون والعرب، ومعهم مجموعات كبيرة في العالم، لنوع من الضرب على الأعصاب، وحتى الرؤوس، بواسطة المطارق،
جراء الجرائم الوحشية التي ترتكبها القوات الإسرائيلية في غزة.وإذ نعجب كيف أن حكاماً عرباً وأجانب عُرفوا بالدفاع عن حقوق الإنسان، وكذلك الرفق بالحيوان إلى درجة أن بعضهم لا يتورع عن تعريض نفسه للخطر وهو يقود سيارته في الشارع من اجل تفادي دهس قطة أو كلب - نعجب كيف اقفل هؤلاء عيونهم وأصمّوا آذانهم وهم يشاهدون صور القتل والدمار في غزة، وتحولوا إلى قنوات الطبخ والحيوانات والعناية بالحدائق...وبدا لكثيرين من المراقبين والمتابعين كأن ثمة من قسّم العالم شطرين لاعتبارات دينية تارة، و"حضارية" "تمدنية" طوراً وما يتصل بها من أحوال يموت الناس فيها بمئات الألوف أو أحياناً بالملايين جراء الجوع والفقر والمرض وخصوصاً الأوبئة التي تفتك بالجماعات العاجزة عن ردها أو الحصول على أدوية لمعالجتها، أو لم تكتشف إلى الان العقاقير المحاربة لها مثل الايدز وبعض الأمراض الغامضة في افريقيا ("ايبولا") والملاريا والسل التي كانت اختفت ثم عادت.وفي إزاء شطر العالم بين شمال غني ومتحضّر وعلماني بنسبة كبيرة، وجنوب فقير، ومتخلف، ومتعصّب تسيطر على مناطق واسعة منه اعتقادات دينية إسلامية عموماً يغلب على معظمها الطابع السلفي الأصولي - يجد العالَم الأول أن موت الناس جماعياً في الشطر الثاني امر طبيعي بسبب المرض والتخلف وسوء التغذية فضلاً عن الجهل، مما يجعل الإنسان في هذا الشطر من العالم غير ذي قيمة، ولا يجد تالياً من يلتفت إليه ويسأل عنه.اما العالم الثاني فيرى أن العالم الأول قد أوقعه في "الظلم" بسيطرته على الثروات واحتكاره المواد الغذائية، وتفوقه، بفضل الطاقات البشرية والثروة، في العلوم والبحوث، وامتلاكه آخر مستحدثات التكنولوجيا، إلى جانب إنتاجه احدث الأسلحة وأفتكها وأكثرها تدميراً، ناهيك بوضع يده على المواد الأولية الأساسية للتقدم التي يُخزنها العالم الثاني، وصولاً إلى جعل البورصات المالية للدول العظمى تحكم العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وتوسُّع نطاق العولمة.في ضوء هذا الواقع لم يجد العالم الثاني بُداً من التوجه نحو الدين والإلهيات كمصدر للقوة والصمود وتحقيقاً للهوية الإنسانية. ولعل أروع من أثار هذا الأمر كان فريد زكريا الكاتب والصحافي الهندي الأصل الذي يُدير حالياً تحرير مجلة "نيوزويك" الأميركية. وهو تلميذ المفكرّ السياسي الكبير صموئيل هانتنغتن الذي توفي قبل أسبوعين والشهير بنظرية "صدام الحضارات" التي أثارت ضجة كبيرة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة. قال زكريا:" إن الناس الذين يعيشون وسط التغيير غالباً ما تمسكوا بأقدم مصدر للأمان وأكثره ديمومة، أي الدين. وهذه كانت أحدى أهم رسائل "صدام الحضارات". وفيما كان هناك من يحتفل بسقوط الشيوعية وصعود العولمة، كان هانتنغتن يرى أن الايديولوجيات تختفي كمصدر للهوية الإنسانية، ليحل محلها الدين الذي يعود إلى المقدم".وقال زكريا ان معلمه كان يرى ان التقدم على الطريقة الأميركية، بما هو تعزيز للمشاركة السياسية في الحكم ونمو اقتصادي سريع" قد اوجد في الواقع مزيداً من المشاكل أكثر مما حل مشاكل" وتسبب في عدم الاستقرار.وفي ظل هذا التقسيم للعالم حيث يسيطر المال اليهودي على مقدرات العالم الاول، عالم الشمال، لم تلق مجازر رواندا في العالم الثاني 1994 التي سقط فيها قرابة 800 الف ضحية بالهراوات والفؤوس والسكاكين والسواطير الاتنية ما بين التوتسي والهوتو اهتماما في العالم الاول. كذلك لم تثر مذابح العراق استياء العالم الى حد فرض وقف الحرب الاميركية هناك وخروج القوات المحتلة من الاراضي العراقية حيث لا تزال.والاميركيون الذين لم يهتموا للضحايا التي كانت تسقط بالمئات وبأبشع الطرق، ولم يوقفوا الحرب بل تعودوا مشاهد القتل والذبح، لم يكن مستغربا تجاهلهم مقتلة غزة والضحايا التي تحصدها آلة الحرب الاسرائيلية بأدوات حربية أميركية منذ ليل 27 كانون الاول الماضي. وكان لافتا ما كتب أخيرا عن هذه الحرب في الصحافة الاميركية التي يفترض أن تضطلع بدور مؤثّر باسم الرأي العام على الادارة الاميركية من أجل التعجيل في وقف آلة القتل الاسرائيلية في غزة، على غرار ما فعلت في حرب فيتنام وأدت الى وقفها. فقد كتب توماس فريدمان المعلق الرئيسي على الاخبار الدولية في "النيويورك تايمس" مقالا حول الحرب في غزة بعنوان "أهداف اسرائيل في غزة" اختصره بسؤال واحد هو: "لدي سؤال واحد حول العملية العسكرية الاسرائيلية في غزة: "ما هو هدفها؟ هل هي تلقين "حماس" درسا أم الغاؤها؟ أملي ان يكون تلقين حماس درسا". مع الاشارة الى ان فريدمان كان من الصحافيين القلائل الذين اعتبروا ان "حزب الله" هُزم في حرب تموز 2006 واسرائيل انتصرت لأنها "لقنت حزب الله درسا". وقياسا بما وضعه من مقاييس للحكم على نتائج حرب تموز التي أوقعت ضحايا بالمئات ودمرت ألوف المنازل، قال: "هذا منطقي، لأن اسرائيل قالت في الاساس انه في حال التعامل مع طرف غير رسمي و"حزب الله" كان متغلغلا بين المدنيين فان مصدر الردع على المدى الطويل سيكون التسبب بالوجع للمدنيين، عائلات المقاتلين وأرباب عملهم، وذلك من أجل لجم حزب الله في المستقبل".وذكر انه لا يستطيع الجزم بما اذا كانت اسرائيل تريد إنهاء "حماس" أم تلقينها درسا من طريق قائمة الضحايا التي تجاوزت الالف. إذ إنها "اذا كانت حقا تريد إنهاء "حماس" فان المشهد سيكون مرعبا، والوضع الذي سينشأ عن ذلك سيشبه الفوضى التي تعم الصومال حاليا". ولكن، ماذا لو كان الهدف تلقين "حماس" درساً؟يجيب: "اذا كان الامر كذلك، ربما تكون اسرائيل حققت هدفها. والتركيز بعد ذلك من جانب اسرائيل، وكذلك من جانب الفريق المحيط بالرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما، يجب أن يكون وضع "حماس" أمام خيار واضح: هل تريدين تدمير اسرائيل، أم اعادة بناء غزة؟".وأضاف ان "هذا الامر يحتاج الى جهد ديبلوماسي، باعتراف اسرائيل بحق "حماس" بحكم غزة وتوفير المستلزمات الضرورية لأمن شعبها وهذا كان أساس رسالة "حماس" وليس قصف اسرائيل بالصواريخ. في المقابل على "حماس" ان تظهر ارادتها للنهوض بمسؤولياتها لضمان وقف دائم للنار والكف عن بذل الجهد لتغيير المعادلة الاستراتيجية مع اسرائيل من طريق انتاج صواريخ أبعد مدى مما لديها حتى الآن. إنها الصفقة الوحيدة الممكنة. فلنجربها".وكان الرد الأعنف عليه من الكاتب والمفكر المعروف غلين غرينولد صاحب أهم موقع مدونات في الولايات المتحدة، بأن ما تقوم به اسرائيل في غزة هو "جرائم حرب" و"إرهاب دولة"، وأن الانتصار لا يكون بقتل المدنيين الابرياء، وخصوصا الاطفال. كذلك ان ما تفعله اسرائيل في غزة يشبه الى حد كبير ما يفعله تنظيم "القاعدة" الذي يعتبر معظم ضحاياه من المدنيين الابرياء.وأشار الى انه اذا كانت اسرائيل تعتقد أنها بقتلها المدنيين وتدمير المنازل تؤلّب أهالي غزة على "حماس" فانها قد أحدثت العكس إذ أظهر كثيرون غير مؤيدين أساسا لـ"حماس" تأييدهم لها، تماما كما حصل في حرب تموز في لبنان. واستشهد من غزة بأم في حي الزيتون اضطرت الى ترك المنطقة بعد قصف منزلها، وقالت لاحد الصحافيين: "هل تعتقد اني الآن ضد اطلاقهم الصواريخ على المستعمرات الاسرائيلية، كما كنت في السابق؟ بالطبع لا. لقد كنت ضدها في السابق أما اليوم فلا".وأسف لوقوف واحد من النخبة المفكرة الى جانب المؤيدين للقتل والارهاب.نقول انه ليس قليلا، أو سهلا، ان يقدم الانسان حياته من أجل وطنه وأرضه.كذلك لا يجوز تجاهل العامل الديني الذي تحدث عنه هانتنغتن في "الجهاد" لدى الطرفين اليهودي والاسلامي في غزة وفلسطين وفي أماكن أخرى، والذي يجعل الشهداء مصدر تبريك بدل أن يكونوا مصدر أسف وحزن ومواساة. ومثل هذا العامل يصعب فهمه أحيانا، لكنه واقع عرفته المسيحية قبل اليهودية والاسلام. علماً انه لا يمكن القضاء على الفقر بقتل الفقراء على ما قالت العالمة الصينية هان سوين.وإذ تحدثت مجلة "الايكونوميست" البريطانية المرموقة في تحليل عميق عن "حرب المئة سنة" بين العرب والاسرائيليين والتي بدأت عام 1909 بتأسيس الحركة الصهيونية عصابات مسلحة باسم "هاشومير" لحماية المستوطنات في فلسطين، استنتجت أن ثمة حدودا لما يجري في غزة. ذلك أن كسر شوكة "حماس" شيئ، و"ربح" غزة في حرب مدمرة كتلك التي نشهد لشيء آخر. وهذا يعني "مئة سنة من الحروب التي يصعب إسكات الفلسطينيين فيها بالقوة. فـ"حماس" ستبقى، ومعها التفكير العربي أن "الدولة الاسرائيلية لا تنتمي الى الشرق الاوسط"(...) وفي مواجهة هذا الوضع على اسرائيل ألا تكتفي بالقول إنها قوية الى درجة يصعب محوها من الخارطة، بل يجب ان تظهر ارادتها للتخلي ليس عن غزة فحسب بل كذلك عن الضفة الغربية من أجل اقامة دولة فلسطينية".وختمت: "كل أصدقاء اسرائيل، بمن فيهم باراك أوباما، يجب أن يقولوا لها ذلك".فمتى تصمت المدافع لتصغي اسرائيل الى صوت العقل؟وهل تصغي؟
ادمون صعب edmond.saab@annahar.com.lb
ادمون صعب edmond.saab@annahar.com.lb
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.