المطران الشدراوي: أميركا والغرب خلقوا داعش لتقسيم الشرق وتهجير المسيحيين
من المكسيك التي لها مكانة خاصة في قلبه تشبه حبه لوطنه الأم لبنان ، يتابع المطران انطونيوس الشدراوي الوضع اللبناني برمته لحظة بلحظة فلا يسهو عن باله اي تفصيل داخلي او خارجي ، ولو صغير وهو الذي يتربع على راس مطرانية الروم الأرثوذكس في عاصمة المكسيك منذ اكثر من ثمانية واربعين عاماً يقطعها بإجازات لا تخلو من العمل الرعوي والسياسي والاجتماعي والمهمات الخاصة الى لبنان كلما سنحت له الظروف .
مواقف المطران شدراوي تسبقه وتتردد اصداؤها عبر الأثير من المكسيك الى لبنان وبالعكس احياناً، فالبعض يصفه بالمطران المشاكس او المتمرد وهو الذي تجرأ على الغرب واتهمه بالتواطؤ على المسيحيين في الشرق مشيراً الى دور أوباما بالاسم والى الغرب المتآمر على سوريا وعلى المسيحيين والذي لا يفعل شىئاً ولا يقدم اي مصلحة على مصلحة إسرائيل.
سبق للمطران الأرثوذكسي ان قام بحملة إعلامية واسعة متضامنة مع سوريا ضد الضربة الأميركية لها استدعت تدخل السفير السعودي ضده ودول كثيرة تتطابق سياساتها مع ما تريده اميركا وإسرائيل .ومؤخراً فان الشدراوي لا يتوانى عن إطلاق المواقف المحذرة مما يتم تحضيره للمنطقة وفق السيناريوهات المرسومة وللمسيحيين خصوصاً من اجل افراغ الشرق من الوجود المسيحي فيه .
مع المطران انطونيو الشدراوي الذي يغادر لبنان ويعود اليه في تشرين المقبل للمشاركة في المجمع الأنطاكي كان هذا الحديث عن الوضع المسيحي في الشرق ومستقبل المسيحيين في لبنان في زمن داعش والتكفيريين .
حاوره : ابتسام شديد
* بناء على الأحداث الخطيرة من الموصل وغزة ، هل هناك خطة او سيناريو مرسوم لتفريغ المسيحيين من الشرق ؟
-بدون شك فان الوضع المسيحي خطير جداً ، وعندما نبحث عن جذور المؤامرة على لبنان وعلى المسيحيين فيه تسهل علينا الأمور ، فمع الأسف هناك مخطط هنري كيسنجر الذي لا يزال ساري المفعول وتحاول السفارة الأميركية في بيروت انكاره مع ان كونداليزا رايس بنفسها اعلنت عن مشروع الشرق الأوسط الجديد والربيع العربي فإذا بنا امام «موت عربي جديد» . وهذا الموت يتجدد من خلال ما نراه اليوم من حركات تكفيرية واصولية بعيدة كل البعد عن الدين وهي مدفوعة من المخابرات الأميركية واسرائيل ، وقد اعجبني ما قرأت مؤخراً في جريدة القبس الكويتية في مقال لرجل فكر مسلم يتحدث عن المؤامرة الجارية على المسيحيين وعن خروج هؤلاء «المتآمرين» من الشرق الأوسط ويتكلم بلسانهم قائلاً « إذهبوا ايها المسيحيون ، لا نريد جبران خليل جبران بيننا ولا مخايل نعيمة ولا نريد كل من قام بالنهضة في الشرق الأوسط ...فما نريده هو حكم الجهلة والسواطير وآكلي لحوم البشر ...» فهذا المقال يعبر عن واقع الحال ويكشف المؤامرة ويختصر الوضع الراهن في الشرق، وهذا ما اقوله دائماً بأن كيسنجر بدأ بالمخطط عندما حضر الى قصر الرئيس سليمان فرنجيه عارضاً عليه نقل المسيحيين الى الخارج بقوله الأسطول السادس ينتظركم في البحر لنقل المسيحيين الى اي مكان «فكان جوابه» الأرض ارضنا ولن نغادرها ، لسنا دخلاء ولا لاجئين، وسندافع عن ارضنا حتى آخر نقطة دم تجري في عروقنا» ، وعندما تبلغوا الرفض المسيحي كان قصاص المسيحيين وهديتهم حرب 1975وانتم أدرى ماذا حصل للمسيحيين حينها والعدد الذي خرج من لبنان في ذلك الوقت في اطار الهجرة حينها .
اليوم لدينا مطرانان مخطوفان وأديرة وكنائس ومحطمة ومدنسة ولا أحد يسأل ، فاين الصوت المسيحي المطالب بالإفراج عنهما ، ففي الغرب لم نسمع صوتاً واحداً وعلى العكس فان الرئيس الأميركي باراك اوباما يريد ان يمد إسرائيل بالسلاح لترتكب المزيد من الجرائم ، والغرب او الأميركيين هم الذين خلقوا داعش والتكفيريين وإلا كيف يمكن مثلاً تفسير ظاهرة حصول تفجيرات في بيروت والشام وعدم حصولها في إسرائيل .
اين العرب مما يحصل في غزة؟
* هل تتهمون أميركا والغرب وبعض الدول العربية برعاية الارهاب وتغذية المنظمات الاصولية ؟
-الغرب فتح ابوابه لهجرة المسيحيين وهذه هي المؤامرة بحد ذاتها، فلم يتخذ اي موقف او قرار في الامم المتحدة ومجلس الأمن لمصلحة المسيحيين فكل همهم إخراج المسيحيين من الشرق لترييح الإسرائيليين. فعندما هب التكفيريون في سوريا، اجتمعت الجامعة العربية وكان همها الوحيد إقصاء سوريا وإخراجها من الجامعة. اليوم تسقط آلاف الاطنان من المتفجرات على مستشفيات ومدارس غزة فيما العرب في سبات عميق وذلك يعني ان العرب متآمرون على المسيحيين وعلى العرب الفلسطينيين في فلسطين. كلنا نعلم من بدعم داعش ومن اين تأتيها الأموال، اليست السعودية وقطر وبعض دول الخليج هي التي تدعم المنظمات الاصولية وتمدها بالأموال، اليست غالبية الضحايا والشهداء في غزة من الاسلام فاين هي الاصوات العربية واين هم المسلمون مما يجري بحق المسلمين اولاً من قطع رؤوس وتنكيل واعدامات وممارسات بربرية ووحشية؟ ان المشهد مأساوي بكثرة، وماذا تعني كل الآثارات المسيحية الموجودة في الشرق إذا غادر المسيحيون ارضهم، نحن لا نريد الحجارة بل نريد البشر قبل اي شيء.
*ما رأيكم بالرسالة التي وجهها البطريرك الراعي للحوار مع داعش والمجموعات التكفيرية ؟
-ان صاحب الغبطة من كبار القادة المسيحيين في هذا الشرق والمدافع الكبير عن المسيحيين لأي طائفة انتموا، لكن دعوته لا تشبه إلا «صرخة اليأس» التي تعبر عن واقع الحال المأساوي الراهن ، فالراعي توجه الى الغرب طالباً الدعم وتعزيز الحضور المسيحي فكان الجواب له «غادروا الأرض»، قصد جميع المناطق ولقب بالبطريرك «الرحالة» لكثرة اسفاره وابدى انفتاحاً على الجميع وتوجه الى الدول التي بيدها الحل فلم يجد تلك المؤازرة ، قداسة البابا ايضاً نادى فلم يسمع صوته احد. وبدون شك فان غبطة البطريرك من المناضلين الأقوياء والمجاهدين لحماية المسيحيين، وليس هناك تقصير من الكنيسة فسيدنا علمنا التسامح والمحبة في مواجهة الارهاب. وكذلك لا ننتقص من حق اي رئيس كنسي لأنهم جميعاً غير مقصرين وكذلك ثمة تضامن واضح بين القيادات الروحية المسيحية في لبنان وتضامن لافت من القيادات الروحية الإسلامية حيال ما يحصل وهذا بحد ذاته عامل مطمئن مهما بلغت تهديدات داعش والإرهابيين لأن التضامن الوطني وتعاون رجال الدين وتماسكهم من شأنه تحصين الساحة الداخلية .
روسيا لا تقصر في الدفاع عن المسيحيين
*لكن كيف ستواجه الكنيسة خطر داعش وهل من خطة انقاذية لديها قبل ان يستفحل الموقف ويتأذى المسيحيون اكثر؟
-الكنيسة ليس لديها جيش ، قوتها في كلمتها وسلاحنا هو الإيمان القوي ، اما ما سيحدث للمسيحيون فلنسأل السيد أوباما والسيد هولاند وكاميرون او هيغل ، فتصوروا مثلاً ان بلداً مثل ألمانيا يسمح بمظاهرة تأييد ودعم لداعش ترفع فيها الأعلام السوداء الارهابية. انا اشكو من الغرب الذي يتآمر على المسيحيين في العراق وعلى الفلسطينيين في غزة التي فاق شهداؤها الأربعة آلاف فيما باراك اوباما يرسل السلاح للإسرائيليين وفي الوقت نفسه يمارس طقوسه الدينية ، وهنا أسأل لمن يصلي اوباما وكيف يمكن ان يقصد الكنيسة ؟
* ألا تعتقدون ان على المسيحيين في لبنان ان يتسلحوا كما حصل في اوائل الحرب اللبنانية دفاعاً عن وجودهم وحضورهم ؟
-نحن كرجال كنيسة سلاحنا الكلمة، هذا السلاح لدينا هو أمضى سلاح إذا كان هناك من يسمع، لكن إذا وصلنا وأحرجونا ولا بد ان يخرجونا سوف نلجأ الى السلاح .
* من الملاحظ ان الموقف الروسي حيال ما يجري للمسيحيين لا يشبه نفسه في الأزمات الأخرى التي حصلت في المنطقة ، فهل يمكن الحديث عن تقصير في هذا السياق او غض النظر عن ما يجري ؟
-الموقف الروسي ليس خجولاً او متراجعاً فروسيا لا تقصر في الدفاع عن المسيحيين ، سبق ان طلبت من الرئيس بوتين العام الماضي الدعم الروسي لمسيحيي لبنان وبالا تتركهم روسيا لمصيرهم المرسوم ، فكان جوابه NEVER اي NEVER اي قطعاً لن تتخلى عنهم ، لكن للأسف فان الواضح ان ثمة من يسعى لتعطيل الدور الروسي وإلهاء روسيا ومن خلال فتح جبهة اوكرانيا ، ومن تسلسل الأحداث يبدو ان ذلك حصل بتخطيط من الموساد الإسرائيلي والمخابرات الأميركية وبالضغوط والمال والإغراءات التي اوصلت الامور الى هذه الحال بين روسيا واوكرانيا، والمؤامرة الأميركية الإسرائيلية على اوكرانيا بدأت بتعيين رئيس من الطائفة الانجيلية التي لا تعد واحداً بالمئة من الشعب الاوكراني. ولكن روسيا لن تغمض عينيها عن مسيحيي الشرق ، وهذا ما لمسته من لقاءاتي بالمسؤولين والقيادات الروسية الذين يؤكدون وقوفهم الى جانب المسيحيين في لبنان وكل الشرق .
* كيف تنظرون الى الفراغ في موقع الرئاسة الأولى، والى اي حد تتحمل القيادات المسيحية مسؤولية الفراغ؟
- يؤسفني ما يحصل بالنسبة الى رئاسة الجمهورية لأننا كمسيحيون قدمنا هذا الموقع بايدينا ، ودوماً كان الموارنة يدمرون هذا الموقع ويتنازعون ويتصارعون عليه من ايام بشاره الخوري الى يومنا هذا ، فما يحصل ليس جديداً على الموارنة فالكل يتطلع ايضاً الى التجديد والتمديد له فتضيع مصلحة الموارنة .
} حقوق الطائفة الارثوذكسية مهدورة }
* ما رأيكم بقانون اللقاء الارثوذكسي او قانون كل طائفة تنتخب نوابها ؟
- ان الطائفة الارثوذكسية حقوقها مهدورة فالآخرون يقررون لها نوابها ووزراءها وموظفيها في الادارات العامة ، ففي منطقة الكورة السنّة والموارنة يتحكمون بمسار الانتخابات في الكورة الارثوذكسية، وفي الاشرفية عرين الارثوذكس تتحكم بها المحادل الانتخابية الكبيرة ومسار التحالفات، فالانتخابات لا تحصل على اساس الكفاءة، وكان يمكن لهذا القانون ان يعيد حقوق الطوائف لاصحابها .
* هل يمكن إجراء مقارنة إنسانية من خلال تنقلاتك بين المكسيك ولبنان ؟
-المغتربون اللبنانيون في المكسيك يربون اولادهم على حب وطنهم والتمسك به والمحافظة على العادات اللبنانية ، في حين انه في لبنان ثمة إهمال للحفاظ على العادات اللبنانية وتقليد فاضح للغرب. عملنا بإخلاص في المهجر وصار لنا ما يقارب 33 بالمئة من مجلس الوزراء او حوالى ستة وزراء من اصل 18 وزيراً يحتلون الوزارات السيادية والاساسية. ففي المكسيك المعيار الاساسي هو الكفاءة وليس العدد فرئيس الجمهورية صديق شخصي لي لكنني لم اسأله يوماً عن دينه ولبنان يمكنه ان يفتخر بابنائه في المهجر رغم عددهم الضئيل جداً لأنهم مميزون وكفؤون جداً .
Envoyé de mon Ipad