الأب سمير خليل سمير و"إعلانات الأزهر بشأن الحريّات.. بوّابة نحو مجتمع مدني وديمقراطي؟"
لبنان الان - ٥/٦/٢٠١٢
ضمن فعاليّات الندوات الثقافيّة التي تدعو إليها رهبنة "الفرانسيسكان" في بيروت بعنوان "اثنين الفرانسيسكان" (Les Lundis des Franciscaines) – المتحف؛ كانت الأولى منها لهذا الشهر مع الأب سمير خليل سمير اليسوعي- الأستاذ في تاريخ الثقافة العربيّة والتراث العربي المسيحي، في روما وفي بيروت، والخبير في الحوار بين الأديان - خُصِّصت لبحث موضوع "إعلانات الأزهر بشأن الحريّات: بوابة نحو مجتمع مدني وديمقراطي؟"
بداية، كشف الأب سمير عن لقاء جرى مؤخّرًا مع الكاردينال توران في الفاتيكان الذي افتتحه بالقول إنّ سينودوس الكنيسة الكاثوليكيّة للشرق الأوسط حصل في نهاية تشرين الأوّل من العام ٢٠١٠ وبعد عدّة أشهر وقع "الربيع العربي"، وسأل: "هل هناك من رابط؟"، معتبرًا أنّه "لا يوجد رابط إنّما هناك شيئًا ما حصل والكنيسة هي جزء من العالم العربي"، مشيرًا إلى أنّ "رؤية البابا بنديكتوس السادس عشر والسينودوس والتي أرادا إعطاءها هي أنّنا جزءٌ من كُلّ، ولسنا أقليّة إلا على الصعيد الرقمي، ولكن ليس على صعيد الفكر والشعور، على غرار الشمعة التي تكفي لإعطاء نور، ورشّة الملح التي تكفي لإضفاء نكهة على الأكل، ونحن بهذا المعنى أقليّة ديناميّة ناشطة وهنا يكمن دورنا".
وأضاف الأب سمير: "الكنيسة عبر السينودوس تعيد التفكير بدورها في هذا العالم العربي، وإثر ذلك حصل هذا الحراك الذي عمّ العالم العربي ولم ينته حتى حينه"، وأردف: "في هذا السياق صدرت نصوص من الجانب الاسلامي سنبحثها سويًا".
وبعد شرح لما حصل في دول الحراك العربي ولاسيّما في مصر، ودور المسيحيّين هناك، لاسيّما مشاركة "الاخوان المسلمين" والسلفيّين الجهاديّين في الثورة، وسؤالهم ما إذا كانت الثورة ستتحوّل إلى إسلاميّة خصوصًا مع وصولهم إلى السلطة، تطرّق الأب سمير إلى موضوع الأزهر وقال: "فاز "الإخوان المسلمون" بأكثر من ٧٠٪ من أصوات الشعب وهذا ما سيفسّر بعض ما سنراه من الأزهر، بعد أن فقد من سلطته إثر الثورة لكونه يُعتبَر جهازًا تابعًا للدولة التي تُموّله بشكل كامل مقابل أن يتبعها بكل شيء".
وأضاف: "اليوم يحاول الأزهر إعادة لعب دوره، ويقدّم نفسه كـ"دين الوسط" والتي ذكرها الحديث الشريف باعتباره الإسلام دين الوسط... وهو يقول إنّه ليس مع الملحدين وليس مع "الاخوان المسلمين" والسلفيّين".
ورأى الأب سمير أنّ "الهدف السياسي الذي يسعى إليه الأزهر هو التميّزُ عن الحركات الاسلاميّة وطلبُ الاستقلال، الذي يوجب كذلك أن يموّل نفسه بنفسه، وهو ما يفسّر إعلاناته بشأن الحريّات". وتطرّق إلى "إعلان مستقبل مصر" الصادر عن الأزهر بمشاركة رجال الفكر المصريّين من المسلمين والمسيحيّين في ١٩ حزيران من العام ٢٠١١ ، الذي احتوى على ١١ نقطة؛ كما وإلى "الإعلان عن السلام الشامل والتصدّي للتطرّف" في لندن في أيلول ٢٠١١ أي بعد ثلاثة أشهر من الاعلان الأوّل، حيثُ شارك فيه أكثر من ألف شخص والذي احتوى ٢٤ نقطة؛ كما وإلى إعلان الأزهر في كانون الثاني ٢٠١٢ بشأن "حريّة التعبير والحريّات الدينيّة" الذي احتوى ٤ نقاط كبيرة".
عن النص الأوّل، قال الأب سمير: "ذكر الأزهر في مقدّمته الشيخ العطّار والشيخ الطهطاوي الذي عاصر الحملة التي قادها الامبراطور الفرنسي نابوليون بونابرت أيّام حاكم مصر محمّد علي، والشيخ محمّد عبدو والشيخ المراغي ومحمّد عبد الله تيراز وأخيرًا الشيخ مصطفى عبد الرازق الذي كان قد عوقب من الأزهر نفسه عام ١٩٢٧ بسبب أطروحته بأنّ الاسلام لا يعرف الوحدة بين السياسة والدين وسُحب منه لقب عالم، كما ذكر الشيخ شلتوت". وأضاف: "هذه الأسماء هي لشيوخ قاموا بالنهضة الاسلاميّة في القرنين التاسع عشر والعشرين، وذلك ليُقال بأنّ الأزهر ضمن هذا الخط وهذا هو الأزهر الحقيقي. ومن الناحية التكتيّة فإنّ هذا الأمر جيّد لإعادة التموضع، علمًا أنّ هناك شيخًا جديدًا في الأزهر درس في باريس، وهو الشيخ أحمد الطيّب، وقد عُيَّن مستشارًا له الشيخ محمود عزب الذي درّس في باريس في قسم اللغات الشرقيّة وقد لعب دورًا هامًّا في تنظيم هذا الاعلان".
وبعد تلاوة جزء من مقدّمة الاعلان الأوّل التي تشدّد على المبادئ الاسلاميّة ومنع استعمال الدين لأغراض شخصيّة، وتحويره كما وذكرها للمسيحيّين واليهود ووصفه إيّاها بالخطاب الصلحي، لفت الأب سمير إلى أنّ المبادئ الاسلاميّة "تمّ تلخيصها ضمن المحاور الـ١١ في الاعلان". وأضاف: "المحور الأوّل هو الدعوة لدولة وطنية دستوريّة ديمقراطيّة عصريّة... فيها دستور يضمن المساواة في الحقوق والواجبات بين مختلف المواطنين..."، مشيرًا إلى أنّ الإعلان يدعو إلى أن تكون الشريعة مصدرًا أساسيًا للتشريع ولكن ليس كمصدر وحيد لها".
والنقطة الثانية، بحسب الأب سمير، "هي الشورى والتي تعتبر بالمفهوم الاسلامي الديمقراطيّة كردٍ على أنّ الغرب هو من اخترع الديمقراطيّة"، وتضيف النقطة الثانية بأنّ "الضمانات الفعليّة هي في التعدديّة، والانتقال السلمي للسلطة، وتحديد الصلاحيّات، ومراقبة الأداء، واحترام المصلحة العامة في التشريع، واتّخاذ القرارات وعبر إدارة الدولة، استنادًا إلى القانون والقانون وحده، ومكافحة الفساد، وتحقيق الشفافيّة وحريّة الوصول إلى المعلومات وبثّها"، وأردف: "كلّ هذه هي مبادئ جيّدة، ولكن أساسها هو الشورى".
والنقطة الثالثة، فهي "احترامگجج الحريّات الأساسيّة حيث أتى ذكر احترام حقوق المرأة والطفل، كما أعيد ذكر احترام الديانات السماويّة، وتمّ النص على أنّ المواطنة، وهي كلمة مفتاح، كمعيار وحيد للمسؤوليّة في المجتمع" على ما ذكر الأب سمير، لافتًا، في الوقت عينه، إلى أنّ "المواطنة كانت الكلمة المفتاح للمقاربة السياسيّة في السينودوس للشرق الأوسط، حيث رفض فيه المسيحيّون أن يكون لهم مكانًا مميّزًا أو أن يحصل تسامح ما معهم، إنّما بأن يكونوا مواطنين. وهذا ما تمّ ذكره بعد عدّة أشهر في إعلان الأزهر هذا".
وأشار الأب سمير إلى أنّ المبدأ الرابع يقوم على احترام ثقافة الاختلاف والحوار، وذلك ليقال بأنّ المسيحيّين هم مختلفون عن المسلمين... ويضيف مسألة هامة، وهي تجنّب كل اتّهام بالـتكفير، وليس الردّة "apostasie"، وبالخيانة، وهو مع الأسف أمر يحصل كل يوم. وهنا دعوة صريحة للكف عن التكفير بين السنّة والشيعة، والمسلمين والمسيحيّين، حيث نجد في بعض الدول استعمال عادي وغير مهين للكلام عن الأجنبي كالفرنسي حيث يقال إنّه كافر ببساطة". وأضاف: "وفي هذا المبدأ دعوة لتجنّب استعمال الدين بهدف خلق الخلافات بين المواطنين، ويدعو كذلك إلى اعتبار الكره الطائفي أو العرقي جريمة".
أما المبدأ الخامس فيقوم على "احترام الشرعات الدوليّة والقرارات، وهذا يعني احترام قرارات "الأمم المتّحدة" على ما يذكر الأب سمير.
أما بالنسبة للمبدأ السادس، فيقوم على احترام شرف الأمّة المصريّة واحترام أماكن العبادة وتأمين حمايتها، ولكن للأديان السماويّة الثلاثة، حيث إنّ للإسلام لا يوجد سوى ثلاثة أديان فقط والباقي هي اختراعات إنسانيّة. ولكن ينص بعدها الإعلان على ضمان حريّة ممارسة الشعائر لكل المعتقدات والأديان". وأضاف: "هناك الدعوة للسهر على احترام حريّة التعبير والابتكار في مجالات الثقافة والفنون وفي إطار القيم المدنيّة للأمّة، وهذه الاضافة منطقيّة".
ولناحية المبدأ السابع، فيقوم على "وضع كل الامكانيّات للاستعاضة عن التأخّر الذي سجّل في مجال التقّدم ولوضع حدٍ على الأمّيّة، وبذلك فهناك اعتراف بما هو بديهي وهو أننا متأخرون، كما أنّ في مصر يوجد أكثر من ٤٠٪ من الأميّين وفي المغرب أيضًا، في حين يمكن أن تصل النسبة في اليمن إلى ٧٠٪، على الرغم من أنّ التعليم مجّاني وملزم منذ العام ١٩٢٥في مصر بعد أن أدخلها طه حسين".
والمبدأ الثامن هو ذات البعد الاجتماعي بالنسبة للأب سمير، وحيث يتم ذكر كل شيء تقريبًا. وهناك نقطة مهمّة ألا وهي إقامة نظام ضمان صحّي حقيقي، وهو ما يمثّل أحد موجبات الدولة تجاه مواطنيها كلّهم".
وأشار الأب سمير إلى أنّ ما تبقى من نقاط في الاعلان يتناول العلاقات مع العالم العربي وأزمة الشرق الأوسط بين الفلسطينيّين والاسرائيليّين.
وعن إعلان لندن، قال الأب سمير إنّه يدعو إلى السلام والتسامح والاحترام، ويعترف بحق الناس بالسعادة عبر التشبّه بما يعتبروه خصيصة في ديانتهم؛ ويؤكّد في نقطته الرابعة أنّ اليهود والمسيحيّين والمسلمين والهندوس والبوذيّين كما من ينتمي إلى ديانات أخرى والذين لا يعترفون بأي ديانة يجب أن يتمتّعوا بالحقوق المدنيّة والقانونيّة عينها وبالحريّات ذاتها..."
و"يؤكّد الاعلان في نقطته الخامسة الطابع المقدّس للحياة الانسانيّة وذلك بهدف التصدّي للإرهاب" وفق الأب سمير، "ويدين الاعلان الارهاب بأشكاله المختلفة، وفي نقطته السادسة يعتبر أنّ كل شكل من أشكال الارهاب مرتكب باسم الاسلام مدان وهو دائمًا عمل قتل جبان وأعمى... كما يؤكّد رفض كل إعلان من قبل مسلمين أو غير مسلمين بأنّ العالم اليوم يقوم على قتال بين الاسلام والغرب واعتباره خاطئ، والعمل على الاحترام المتبادل والحوار". وأضاف: "هذه هي خطوط هذا المستند الذي يشدّد على التصدي للتطرّف والإرهاب والعمل للسلام والحوار، علمًا أنّ معظم المشاركين فيه هم من المسلمين. أما التوقيع، فقد تم من قبل عدد كبير من الأشخاص الذين وقّعوه عبر الانترنت.
ولجهة الإعلان الثالث للأزهر والخاص بالحريّات، أكّد الأب سمير أنّه ينصّ على مختلف الحريّات من حريّة القول والتعبير، حريّة الفكر والحريّات الفنيّة. ولكن دائمًا يترافق ذلك مع وجوب احترام الثقافة والتقاليد والتراث"، وأضاف: "وحين جاء النص على الحريّات الدينيّة، اقتصر الأمر على حريّة ممارسة الشعائر الدينيّة، وليس على حريّة المعتقد، أي لا وجود لحريّة تغيير الدين كما حصل في إعلان لندن"، مشيرًا إلى أنّ "الحريّات الدينيّة عند المسلمين حتى الآن تقتصر على التسامح الديني".
ورأى الأب سمير أنّ مشكلة هذه المستندات الثلاث هي أنّها مجرّد إعلانات تلزم من يوقّعها فقط، ولكن يمكن أن تُعطي توجّهًا ما من قبل علماء، وهو ما يشكّل خطوة إلى الامام ويمكن أن تساعد الآخرين".
وختم الأب سمير محاضرته بالإجابة على سؤال طرحه: "أين هو موقعنا وما هو دورنا"، مؤكّدًا "أولويّة عدم الهجرة تحت أيّ سبب"، ومشدّدًا على وجوب "البقاء، لأنّ عندنا مهمّة تقوم أوّلاً على التبشير بالإنجيل أي بالسلام وبالأُخوّة وبالمغفرة، كما أنّ عندنا رسالة سياسيّة... تقوم على المناداة بالحق والعدالة بين الجميع وبالأخوّة، وبهذا المعنى أعتقد بأننا نُنَصرن المجتمع، أي نبثّ روح المحبّة والتعاون بين جميع أفراد المجتمع، ونسمح للبعض باكتشاف الانجيل"، ومذكّرًا بآخر جملة وردت في سينودوس الشرق الأوسط: "نبني معًا مشروع مجتمع"، وآملاً أن يكون هذا الأمر هو "ما يصبو إليه الربيع العربي".
JTK = Envoyé de mon iPad.