رأس البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس الأحد في النادي اللبناني في مكسيكو عاونه فيه مطارنة الانتشار والرؤساء العامين ولفيف من الكهنة بحضور المطران انطونيو شدراوي راعي ابرشية المكسيك للروم الاورثوذكس وقنصل لبنان رودي قزي ورئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي جان فهد ووفد المؤسسة المارونية للانتشار وحشد كبير من ابناء الجالية اللبنانية في المكسيك.
بعد الإنجيل المقدس القى غبطته عظة تحت عنوان:"ها انتِ تحملين وتلدين ابنًا تسمينه يسوع" (لو٣١:١)
١. يسوع ابن الله، يولد انسانا في عائلة يوسف ومريم من الناصرة، بقوة الروح القدس، يولد من عذراء، ويتربى على يد اب شرعي بالتبني. في هذه العائلة كان ينمو بالقامة والحكمة والنعمة امام الله والناس حتى عمر ثلاثين سنة، كما يكتب القديس لوقا في انجيله (لو ٥٢:٢).
٢. هذا السر العجيب يعني حقيقتين اساسيتين:
الحقيقة الاولى،ان يسوع اعاد تقديس العائلة التي شوّهتها الخطيئة. فهو صالح بنفسه كل شيء، وافتدى كل انسان من خطاياه، واعاد الزواج والعائلة الى طبيعتهما الاصلية، كصورة لله الواحد والثالوث، بكونهما جماعة حب وحياة. في الواقع هكذا نقرأ في سفر التكوين، في اول صفحة من الكتب المقدسة:" خلق الله الانسان على صورته ومثاله؛ ذكرا وانثى خلقهما، وباركهما وقال: انميا واكثرا واملاءا الارض" (تك ٢٦:١).
الحقيقة الثانية،هي ان ابن الله الذي صار بشرا، مولودا في عائلة، اراد ان يبيّن لنا ان العائلة هي في قلب تصميم الله الخلاصي.فالله يحقق تاريخ الخلاص عبر مجرى تاريخ البشر، بواسطة العائلة. فهو يختار منها رجالاً ونساء، يحقق بواسطتهم، على ممر العصور، تصميم الخلاص.
٣. عندما التأم سينودس الاساقفةبرئاسة قداسة البابا فرنسيس في روما، خلال شهر تشرين الاول الماضي،كانت الغاية منهاعادة الزواج والعائلة الى قدسيتهما ودعوتهما ورسالتهما في الكنيسة والمجتمع البشري. هذا الامر اقتضى البحث في التشويهات التي شوّهت الزواج والعائلة، وتحديد التحديات والسبل لمواجهتها.وهذا مطلوب من عمل الكنيسة الراعوي والاجتماعي، الروحي والاخلاقي، في الابرشيات والرعايا والمؤسسات.
٤. يسعدنا ان نحتفل معكم اليوم في النادي اللبناني في مكسيكو، باحد البشارة لمريم بحسب الزمن الليتورجي المعروف بزمن الميلاد او المجيء. ويجمعنا ايضا حدثان، الاول كنسي والثاني وطني لبناني.
٥. الحدث الكنسي، هو المؤتمر الرابع لمطارنة ابرشيات الانتشار المارونية في القارات الخمس، وللرؤساء العامين لرهبانياتنا الرجالية المارونية المتواجدة في لبنان اساسا، وفي خدمة الرسالات في بلدان الانتشار. اننا نشكر سيادة اخينا المطران جورج ابي يونس وابرشيتنا في المكسيك على استضافة هذا المؤتمر بحسن تنظيمة وسخاء الضيافة.
ثلاثة اهداف يتطرق اليها هذا المؤتمر:
أ. نقل تراثنا الانطاكي السرياني المارونيالى ابناء كنيستنا في بلدان الانتشار وبناتها، وهو تراث ليتورجي وروحي ولاهوتي وتاريخي. ويشكّل هويتنا المارونية، ويجعل من ابنائنا المنتشرين "قيمة مضافة"يسهمون بها في انماء مجتمعاتهم والبلدان التي يعيشون فيها. فهم يسهمون اسهاماً كبيرًا في ازدهار هذه البلدان ونموها على كل الاصعدة وفقا لنشاطاتهم المتنوعة.
ب. المحافظة على وحدة كنيستنا المارونية الكاثوليكية،من شدّ الروابط الروحية بين ابرشيات الانتشار والرسالات والكرسي البطريركي، اي الكنيسة الام، فالكنيسة المارونية المرتكزة في لبنان ببطريركيتها وبكل تاريخها وتراثها وقديسيها، هي الكنيسة الام، وجعلت من لبنان "الوطن الروحي" لجميع الموارنة من مختلف جنسياتهم.
ج. شدّ الرباط العضوي بين المنتشرين اللبنانيين ووطنهم الاساسي لبنان، بحيث يحافظون على جنسيتهم اللبنانية، الى جانب جنسية اوطانهم، وعلى قيود نفوسهم الشخصية والعائلية في دوائر النفوس اللبنانية من خلال البعثات الديبلوماسية في بلدانهم، بموآزرة مطارنة الابرشيات وكهنة الرعايا، والمؤسسة المارونية للانتشار. ان جنسيتهم هي مدعاة فخر لهم من لبنان، ذي القيمة الحضارية الثمينة، وتمنحهم كل الحقوق المدنية على ارض لبنان، وتمكّن الشعب اللبناني من المحافظة على كل مكوّناته وعلى نظامه السياسي القائم على قاعدة الديموغرافية والمساواة بين المسيحيين والمسليمن في المشاركة بالمناصفة والتوازن في الحكم والادارة.
وكوننا في سياق العائلة، يجدر بنا ان نحافظ على عائلتنا الكنسية المارونية،وعلى عائلتنا الوطنيةاللبنانية.
٦. اما الحدث الوطني اللبناني،فهو ان لبنان واللبنانيين في العالم يحتفلون اليوم، ٢٢ تشرين الثاني،بعيد الاستقلال، الذي عمره ٧٢ سنة. لكن عمر اعلانه دولة مستقلة ٩٥ سنة، وها خمس سنوات تفصلنا عن الاحتفال بالمئوية الاولى لهذا الاعلان الذي تم في اول ايلول ١٩٢٠. فلا بد من الاستعداد اللائق للاحتفال بهذه المئوية.
اننا نهنئ جميع اللبنانيين بعيد الاستقلال، ونلتزم بالمحافظة عليه في قلب العواصف التي تضرب بلدان الشرق الاوسط، وتهدد بتكوين كياناتها وحدودها. وهي آخذة بتشويه هويتها وثقافتها وحضارتها.
الاستقلال يذكّرنا ان اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، بمختلف مذاهبهم، هم عائلة وطنية لبنانية واحدة، تبنى كل يوم وتنمو بالتوازن والتكافوء والتعاون، وبخاصة بالثقة المتبادلة، وبالحوار المتجرّد من المصالح الشخصية والفئوية، والساعي الى حماية حقيقة الوطن وقيمته ورسالته، والى تأمين الخير العام الذي منه خير كل واحد وخير الجميع.
٧. لكن يعتصر قلبنا الحزن والعار، بسبب الاحتفال مرة ثانية بعيد الاستقلال من دون رئيس للجمهورية،وبمرور سنة وستة اشهر على الفراغ الرئاسي، وما استتبعه من نتائج وخيمة من مثل: فقدان المجلس النيابي حقّه في التشريع بموجب الدستور، وتعثّر الحكومة في ممارسة صلاحياتها، وفي امكانية اجراء التعيينات في الوظائف الشاغرة، وانتشار الفساد والرشوة والسرقة في الادارات العامة.
هذا بالاضافة الى الازمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة، وتفاقم حالات الفقر، وتصاعد الدين العام، وازدياد حالات الهجرة. وما القول عن النتائج المهدّدة للكيان اللبناني بوجود مليون ونصف مليون نازح سوري، على الصعيد الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي والسياسي والامني. مع اننا نشعر معهم بكل معاناتهم، ونتضامن لمساعدتهم من الناحية الانسانية والمعيشية والتربوية.
٨. غير اننا نرفع الصوت عاليًا مطالبين الاسرة الدولية والعربية بايقاف الحرب في سوريا والعراق واليمن وفلسطين، وايجاد الحلول السياسية السلمية، وتوطيد سلام عادل وشامل ودائم، واعادة جميع النازحين والمهجرين والمخطوفين واللاجئين الى اوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم.
ونرفع صلاتنا من اجل كل هذه النوايا، ومن اجل عائلاتنا الدموية والكنسية والوطنية. راجين حمايتها في الخير والقداسة، بشفاعة العائلة المقدسة، رافعين المجد والتسبيح لله الواحد والثالوث، الآن والى الابد، آمين.
24-11-2015زينيت
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.