Arabes du Christ


" الهجرة المسيحية تحمل رسالة غير مباشرة للعالم بأن الإسلام لا يتقبل الآخر ولا يتعايش مع الآخر...مما ينعكس سلباً على الوجود الإسلامي في العالم، ولذلك فإن من مصلحة المسلمين، من أجل صورة الإسلام في العالم ان .... يحافظوا على الوجود المسيحي في العالم العربي وأن يحموه بجفون عيونهم، ...لأن ذلك هو حق من حقوقهم كمواطنين وكسابقين للمسلمين في هذه المنطقة." د. محمد السماك
L'emigration chretienne porte au monde un message indirecte :l'Islam ne tolere pas autrui et ne coexiste pas avec lui...ce qui se reflete negativement sur l'existence islamique dans le monde.Pour l'interet et l'image de l'Islam dans le monde, les musulmans doivent soigneusement proteger l'existence des chretiens dans le monde musulman.C'est leur droit ..(Dr.Md. Sammak)

lundi 25 juin 2012

الربيع العربي - موقف المسيحيين ،

Le printemps arabe - position des chretiens - conference de presse au cci:

الربيع العربي - موقف المسيحيين ،
جل الديب، الجمعة 22 يونيو 2012 (ZENIT.org). – عقدت ظهر اليوم في المركز الكاثوليكي للإعلام ندوة صحفية حول"الربيع العربي والتحولات في منطقة الشرق الأوسط"، ترأسها راعي أساقفة بيروت للموارنة ورئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام المطران بولس مطر، وشارك فيها النائب فريد الياس الخازن، ونائب رئيس حزب الكتائب اللبنانية الأستاذ سجعان قزي، ومدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبده أبو كسم. وحضرها د. عادل عقل، ود. جميل محيدلي، ومن الرابطة المارونية العميد بردليان طربيه وعدد كبير من المهتمين والإعلاميين.

كلمة الأفتتاح والترحيب بالمنتدين والحضور لسيادة المطران بولس مطر جاء فيها:

لأسابيعٍ خلَت، عقدنا في هذا المركز ندوةً حول ما جاء في الرِّسالة العامَّة الأولى لغبطة أبينا السيِّد البطريرك مار بشاره بطرس الرَّاعي الكلِّيِّ الطوبى، حول القضايا الدَّاخليَّة في لبنان، ولا سيَّما منها قضيَّة الحرِّيَّة الَّتي تلازم هذا الوطن في تكوينه وفي رسالته. واليوم نُكمل تسليط الضَّوء على ما جاء في عينها عن قضايا تهمُّ الشَّرق الأوسط برمَّته، وبخاصَّةٍ منها قضيَّة الرَّبيع العربيِّ الَّذي ما زال يشغل النَّاس منذ ما يقارب السنتين إلى الآن.
وقد استوقف أنظار العالم أن يكون هبوب الرِّياح الَّتي حملت هذا الرَّبيع إلى شرقنا قد صادف زمن انعقاد السينودس الفاتيكانيِّ حول الشَّرق الأوسط ووضع المسيحيِّين فيه في تشرين أوَّل سنة 2010 أيْ منذ ما يقارب السنتَين أيضًا إلى الآن".

تابع: "ولقد كان الموضوعان الأساسيَّان اللَّذان بحثا في السينودس المذكور يدوران حول الحرِّيَّة الكاملة لكلِّ إنسان في هذا الشَّرق، وبخاصَّةٍ حرِّيَّة الضَّمير والمعتقد الَّتي هي هبةٌ من الله وليست منَّة من أحد، وحول حقِّ المواطنة الكاملة لكلِّ إنسان في هذه المنطقة بصرف النَّظر عن انتمائه المذهبيِّ أو الدِّينيِّ أو العقائديِّ من أيِّ نوعٍ كان. أمَّا الرَّبيع العربيُّ فقد هلَّل لقدومه أهل الأرض قاطبة على أساس أنَّه يحمل نسماتٍ حلوةً من الحرِّيَّة والدِّيمقراطيَّة لشعوب المنطقة ومن رفض للأنظمة الدكتاتوريَّة الَّتي لا تُقيم وزنًا للدَّساتير ولا لحقوق الشُّعوب بحياة كريمة وبتقرير مصيرها بمسؤوليَّة واضحة وفعَّالة في مختلف ظروف الحياة".

أضاف: "وفي هذه اللَّحظات المصيريَّة من تاريخ المنطقة طُرح في الأوساط المسيحيَّة عامَّة، وفي بعض الدُّول العربيَّة الَّتي لفحتها رياح التَّغيير بخاصَّة، موضوع موقف المسيحيِّين بالذَّات من هذه التَّحوُّلات الجارية على قدم وساق.

 فقيل عن بعض المسيحيِّين أنَّهم لا يتحمَّسون لهذه التَّغيُّرات الاجتماعيَّة والسِّياسيَّة الحاصلة، لأنَّهم يفضِّلون بقاء الأنظمة الحاليَّة على السَّاحة العربيَّة، لأنَّ هذه الأنظمة تقدِّم لهم شبكة أمان لا يرون ضرورةً في التَّخلِّي عنها مقابل المجهول الآتي والَّذي قد لا يبشِّر بخير كثير. فاتُّهِم هؤلاء من قِبَل مسيحيِّين آخرين بأنَّهم لا يفكِّرون إلاَّ بذواتهم وبأنَّهم يفضِّلون الوضع القائم الَّذي لا يؤمِّن من الحرِّيَّة للنَّاس سوى النَّذر اليسير على تقدُّم الشُّعوب وسعيها نحو كراماتها وكرامة جميع النَّاس. وقد طرح هؤلاء المسيحيُّون المتحرِّرون قضيَّة اندماج المسيحيَّة في محيطها وضرورة الالتزام بقضايا التَّحرُّر لهذا المحيط وإلاَّ فإنَّ المسيحيَّة تتحوَّل إلى رجعيَّة لا قيمة لموقفها هذا في خضمِّ الحياة وفي معركة التَّقدُّم نحو الأفضل ونحو الأرقى".

تابع: "في هذا الجوِّ من الانقسام المسيحيِّ حول قضايا العرب الجديدة، برزت رسالة صاحب الغبطة البطريرك مار بشاره بطرس الرَّاعي الكلِّيِّ الطوبى، كما سُجِّلَت له مواقف من الرَّبيع العربيِّ تميَّزت بالحكمة وسِعَة الرُّؤيا كما بالشَّجاعة في مواجهة الأحداث والتَّعاطي مع ما يجري من تغيُّرات تعني الجميع لا بل تطاول الجميع.
وقد برز أوَّلُ موقفٍ لغبطته حول هذا الموضوع أثناء زيارته الرَّسميَّة إلى فرنسا حيث أكَّد بصراحة كلِّيَّة أنَّ الكنيسة لا تدافع عن أيِّ نظام في العالم، لا الأنظمة القائمة ولا الأنظمة المنتظرة، بل هي تنظر إلى كلِّ نظام من منظار القواعد الأخلاقيَّة والإنسانيَّة الَّتي تحكمه وهي قواعد العدالة والمساواة وكرامة الإنسان وقواعد الحرِّيَّة المؤمَّنة للنَّاس دون تفرقة ولا تمييز.
وقال غبطته أنَّنا نعرف الأنظمة القائمة في العالم العربيِّ في الزَّمن الرَّاهن، نعرف ضعفها ومحدوديَّتها، ولكنَّنا في الوقت عينه نطالب الأنظمة الجديدة المطلَّة على هذا العالم، بأن تكون بدورها أنظمة تؤمِّن للنَّاس جميعًا مسيحيِّين ومسلمين حقوقهم وكرامتهم كاملة وبأن تشكِّل تقدُّمًا حضاريًّا في حلولها، بما يتوافق مع تطلُّعات شعوب المنطقة وانتظاراتها.
وسأل غبطته في هذا المجال، «كلُّنا نريد للرَّبيع أن يحلَّ في دنيا العرب، ولكن هل الأنظمة الآتية في جوِّ هذا الرَّبيع ستكون خاضعة للتَّطرُّف الدِّينيِّ أمْ متفلِّتة من هذا التَّطرُّف ومحصَّنة حياله تحصينًا أكيدًا؟».

أضاف: "والآن، وبعد مرور ما يقارب سنة على هذه الزِّيارة لغبطته إلى فرنسا، تبدَّلت الأحداث المستجدَّة وكأنَّها تعطي غبطته حقًّا في الهواجس الَّتي طرحها أمام الرَّأي العالميِّ بكلِّ صراحة وشجاعة. فأين صار هذا الرَّبيع وأين صارت أزاهيره الموعودة من الحرِّيَّة والمساواة وكرامة الإنسان؟
الكلُّ يرى اليوم التَّأرجح الحاصل في مصر على سبيل المثال بين الَّذين قاموا بالثَّورة في تلك البلاد ولم يحصلوا في المجلس النِّيابيِّ الجديد إلاَّ على مقاعد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة بينما أهل التَّطرُّف هناك حصلوا على ما يقارب ثلثي هذه المقاعد وكأنَّهم أخذوا هذه الثَّورة إلى طرق غير طرقها وهم يكادون اليوم يُغيِّرون وجهها كلِّيًّا. ويقول المراقبون أيضًا أنَّ ما يجري في سوريا وعلى سبيل المثال أيضًا ليس صراعًا واضحًا بين قوى تحرُّر وقوى استبداد بمقدار ما هي صراع على السُّلطة يكاد يتحوَّل إلى حرب أهليَّة بينما النَّاس يرغبون لهذا البلد تقدُّمًا حقيقيًّا لم يخطّ له بعد طريقًا واضحًا نحو التَّحقيق".

وختم سيادته بتقديم واجب التعزية لمعالي الوزير عدنان السيد حسين رئيس الجامعة اللبنانية، الذي تغيب عن الندوة بسبب وفاه والده.

ثم كانت مداخلة النائب فريد الياس الخازن الربيع العربي: واقع مأزوم ومستقبل غامض جاء فيها:

"التحولات الكبرى التي شهدتها المنطقة منذ مطلع العام  201 ادخلت العالم العربي في الزمن المعاصر، زمن عودة السياسة الى الناس والتعبير الحر عن ارادتهم. ومع كسر الاحتكار السلطوي لانظمة الحكم، سقط "الكارتل" الذي كان يجمع انظمة المنطقة لحماية سلطتها ومصالحها وذلك عبر تأبيد حالة الجمود السياسي، وان اختلفت الدساتير والاعراف والممارسات".

تابع: "لم تكن الحالة العربية دائما استثنائية لاسيما بعد نشوء الدول الحديثة في مطلع عشرينات القرن المنصرم ولاحقا في مرحلة ما بعد الاستقلال. الواقع ان العالم العربي انخرط في المسار العام للتحولات السياسية في العالم في مراحل سابقة، حيث نشأت الدولة السلطوية وتعززت مع وصول العسكر الى السلطة. ولقد بدأت ملامح التغيير الديمقراطي تظهر في اميركا اللاتينية وفي عدد من دول آسيا كالفليبين وكوريا الجنوبية في الثمانينات، الى ان سقط "جدار برلين" وانهار الاتحاد السوفياتي، فتدحرجت "الديمقراطيات الشعبية" في لحظة خاطفة لا سابقة لها في تاريخ البشرية في مطلع تسعينات القرن المنصرم. واللافت ان هذه التحولات الكبرى حصلت سلميا وليس بسبب الحروب او الهزائم العسكرية".

أضاف: "قبل الربيع العربي ببضع سنوات كانت المنطقة مسرحا لحدث تفرّد به العالم العربي، الا وهو انهيار الدولة في العراق بوسيلة الاجتياح العسكري وليس بسبب سقوط النظام الاقليمي العربي. انهيار الدولة الكامل والفراغ السياسي والامني الذي احدثه لم يشهد مثيلا له، في حجمه وتداعياته، اي نظام اقليمي منذ الحرب العالمية الثانية. والآن، سوريا، دولة مركزية لاتقل اهمية استراتيجية عن العراق في النظام الاقليمي العربي، غارقة في مواجهات مسلحة بين النظام ومعارضيه، وفي نزاع مفتوح لا افق حلول له ولا حدود. لا بل فان الثابت في مسار الازمة السورية ان ما من أحد يعرف متى سينتهي النزاع وكيف، وما لذلك الواقع من تداعيات خطيرة على سوريا، دولة ومجتمعا، وعلى دول الجوار، ومنها لبنان".

تابع: "الواقع ان النظام الاقليمي العربي في مخاض عسير: انها حقبة مفصلية توازي بأهميتها التحولات الكبرى التي شهدها العالم العربي منذ انهيار السلطنة العثمانية، ومنها مرحلة نشوء الدولة في مطلع العشرينات، ومرحلة الاستقلال، وفيما بعد قيام الدولة السلطوية. "ربيع العرب" هو عمليا بداية تفكك الدولة السلطوية، ركيزة النظام الاقليمي العربي المعاصر".

أضاف: "الانتفاضات الشعبية التي شكلت عصب التغيير في الربيع العربي، لم تسهم في صنعها نكبة أو نكسة، ولم تأت بسبب ازمات دولية، فلا حروب باردة او ساخنة اليوم. الربيع العربي هو نتاج عربي صرف نابع من واقع مأزوم، وهو أسير ماض لا يلبي حاجات الدين بالنسبة الى البعض، ولا متطلبات الدنيا بالنسبة الى البعض الآخر. لقد تغيرت قضايا المنطقة واولوياتها فحلّت الحرية والكرامة والاصلاح مكان الوحدة والتحرير والتصدي للامبريالية. القضايا التي تحرك الجيل العربي المنتفض هي قضايا القرن الواحد والعشرين. انه مصير الشعوب المشترك لا في وجه عدو لم يعد خطره مشتركا على ارض الواقع، بل في مسائل تخص الدولة والمجتمع في كل بلد عربي".

تابع: "يبقى ان البدائل الديمقراطية لمرحلة ما بعد الانتفاضات الشعبية غير واضحة المعالم، وهي بالتالي عرضة لتحولات لم يختبرها العالم العربي من قبل. فكم من ثورة اطاحت بالنظام واهله ولم تنتج ديمقراطية فاعلة، لا بل غالبا ما خُطفت الثورات من اهلها وجنحت باتجاه مغاير لارادة صانعيها. ليس ثمة قاطرة تشدُّ الانظمة في العالم العربي باتجاه الديمقراطية، مثلما كانت عليه الحال في اوروبا الغربية التي شكلت القاطرة الديمقراطية بالنسبة الى دول اوروبا الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. كما ان الانتفاضات العربية لا قائد لها ولا مرجعية سوى رفض الواقع المأزوم والسعي الى تغييره".

كذلك فان التحديات الآتية من دول الجوار العربي لا تقل شأنا عن تحديات الداخل. فايران في مواجهة مزدوجة مع جيرانها ومع المجتمع الدولي، وتركيا، الطامحة للعب ادوار تفوق قدراتها الذاتية، متحركة في الاتجاهات كافة.اما اسرائيل فتراهن على ان الوقت لصالحها لا لتحمي نفسها، وهي الاقوى عسكريا بين دول المنطقة، بل للقضاء على اي امكانية لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة".

ورأى أن "أبرز التحديات المرتبطة بالربيع العربي، بعد ان أخذ مداه في اربع دول (مصر، تونس، اليمن وليبيا) وتعطل في البحرين، ودخل في نفق مظلم في سوريا، وهي الأتية: اولاً تحديد علاقة الدين بالدولة، وهي ليست المرة الاولى التي تطرح فيها تساؤلات حول موقع الاسلام في الدولة والمجتمع في العالم العربي، ثانياً مسألة اخرى لا تقل اهمية تخص التجارب الجديدة التي تشهدها بعض دول المنطقة في زمن الربيع العربي، وهي تجارب في ممارسة الحكم لم تختبرها المجتمعات العربية، فلا نموذج ديموقراطياً يحتذى به ولا قواعد واضحة ترعى المرحلة الانتقالية، خصوصا مع بروز قوى سياسية جديدة، وتحديدا الاسلام السلفي المنظم، ما يجعل التنافس يميل الى التطرف اكثر منه الى الاعتدال ضمن الصف الاسلامي الواحد. يبقى ان الديمقراطية الحقيقية لا تقتصر على الانتخاب الحر في صناديق الاقتراع بل على نظام قيم متكامل يؤسس لديمقراطية ليبرالية وتداول في السلطة وليس فقط للتصدي للنظام الحاكم، ثالثاً اما بالنسبة الى المسيحيين فتداعيات الربيع العربي بلاشك مقلقة، لا لأن المسيحيين  يؤيدون الاستبداد ويعارضون حركة تحرّر الشعوب من الطغيان بل لان حالات التغيير التي يشهدها العالم العربي اليوم هي مزيج من التحرر والديمقراطية والفوضى والتطرف والعنف، وفي مجتمعات تفتقر الى ثقافة الانفتاح وقبول الآخر على اساس المواطنة المبنية بدورها على الحريات واحترام حقوق الانسان".

وفي الختام، "يبقى ان التغيير الفعلي الذي يمكن البناء عليه واستخلاص العبر منه حصل في مصر وتونس. وذلك ان اوضاع اليمن وليبيا مختلفة. ففي اليمن حصل انتقال للسلطة من النظام الحاكم الى نظام رديف له وفي ظل انقسامات داخلية حادة، وفي ليبيا سقط الحاكم المستبد ونظامه وعاد المجتمع والدولة الى مرحلة ما قبل جماهيرية "الكتاب الاخضر". اما في مصر فالمواجهة مستمرة بين المجلس العسكري والحركات الاسلامية والقوى السياسية غير الاسلامية، وهي حول الهوية والدستور والنظام وقواعد الممارسة الديمقراطية في ظل انقسام حاد يعكس واقع التنوع السياسي في المجتمع. وفي تونس تحديات اخرى، وان كانت الاوضاع اكثر انضباطا والدولة اكثر تماسكا". و"انه عالم عربي يدخل حقبة "بداية التاريخ" محورها تحديد موقع الدين في شؤون الحكم وممارسة السلطة. وهذا الواقع بالذات يشكل الاختبار الحقيقي لمآل الربيع العربي، لواقعه الصعب ولمستقبله الغامض".

وبدوره الأستاذ سجعان قزي تساءل أين أصبح الربيع العربي؟

رأى أنه "قد يَتضرّرُ مسيحيّو الشرقِ أمنياً وديمغرافياً جَـرّاء انحرافِ الثوراتِ في الدولِ العربيةِ عن مسارِها التقدّمي. لكن انتشارَ المطالبةِ بالحريّـةِ في أرجاءِ العالمِ العربيّ هو، بحدِّ ذاتِه، انتصارٌ يُحقِّـقُه مسيحيّو الشرق. فالحريّـةُ فكرةٌ شَهَرها المسيحيّون في وجهِ الأنظمةِ الجائرةِ منذ بزوغِ المسيحيّةِ في هذه الأرضِ الآرامـيّـةِ، الكنعانـيّـةِ، الفينيقـيّـةِ والعربـيّـة. وإذا هُمّ شَهروها فلأنهم اضطُهِدوا أكثرَ من غيرهم".

تابع: "وبمنأى عن الحالةِ الأصولـيّـةِ الإسلامـيّـة، مفارقةُ التاريخِ الظالمةُ هي أنَّ تأثيرَ الفكرِ المسيحيِّ يَزدادُ في المجتمعاتِ العربـيّـة، فيما عددُ المسيحيين يَنخفِض في الشرق وانتشارُهم يَنحسِر".
ومن دون ادعاءٍ أو مِنَّـة، قَـدَّم المسيحيّون لأبناءِ الشرقِ أفكاراً إنسانـيّـةً وسياسيّـةً عظيمة:
قَدّموا مفهومَ "سماءِ الميعاد" لدحضِ نظريةِ "أرضِ الميعاد" اليهودية، ومفهومَ السلامِ لرفضِ مفهومِ الحرب.
قَدّموا مفهومَ الجماعةِ الحرّةِ والآمِنة إبَّـانَ السيطرةِ الرومانيةِ والفتحِ الإسلامي، ومفهومَ التجذُّرِ في الأرضِ وسْطَ حالةِ البداوةِ النازِحة.
 قَدّموا مفهومَ الانفتاحِ السلميِّ على الآخَر في الشرقِ والغرب، ومفهومَ المحـبّـةِ والغفرانِ والمساواةِ عِوضَ الثأرِ والتسامحِ والذِمـيَّـة.
 قَدّموا مفهومَ الحفاظِ على الوجهِ العربيِّ للدولةِ الإسلاميةِ أواسطَ العهدِ العَـبّـاسيِّ وأثناءَ حكمِ الفاطميّين والمماليك، ومفهومَ القوميّـةِ العربـيّـةِ للتخلُّصِ من الاحتلالِ العُثماني.
قَدّموا مفهومَ استقلالِ الشعوبِ العربـيّـةِ عن الاستعمارِ الغربي، ومفهومَ التآلفِ الحضاري بين الأديانِ من خلالِ دولةِ لبنان.
قَدّموا مفهومَ الأحزابِ بديلاً عن الإقطاع، ومفهومَ الديمقراطيةِ نظاماً ليكونَ الشعبُ مصدرَ السلُطات.
 قَدّموا مفهومَ العَلمنةِ للتمييزِ بين الدينِ والدولة، ومفهومَ الاتحادِ الإقليميّ كمشروعٍ وِحدوي وكجَبهةٍ لمواجهةِ إقامةِ دولةِ إسرائيل".

أضاف: "بغضِّ النظرِ عن نجاحِ أو فشلِ تجاربِ هذه المفاهيم، وعن مدى التزامِ الثوراتِ العربية بها، لم يَستورِد مسيحيّو لبنانَ والشرقِ هذه المفاهيمَ من الغرب، ولم يَنتظروا الثورةَ الفرنسيةَ ولا شِرعةَ حقوقِ الإنسان لينشُروا هذه المفاهيمَ ويُبشِّروا بها. لقد استَوْحَوْها من الإنجيل". و"لم يُقدِّم المسيحيّون هذه الأفكارَ والمفاهيمَ إلى أنفسِهم، بل إلى الإنسانِ في هذا الشرق؛ إلى المسلمِ قبلَ المسيحيِّ، وإلى المُلحِد مثلَ المؤمن. وَضعوها في تصرِّفِ مجتمعاتِهم وبيئتِهم ومحيطِهم. وحين يَعـتَنِقُ "الآخَرُ" هذه الأفكارَ الكونيةَ ويُطـبِّـقُها يَصِلُ ـ مَبدئـيّـاً ـ للمسيحيِّ حقُّـه حريةً وأمناً ومساواة. لا بل تَنتشِرُ المسيحيّـةُ وإنْ من دونِ مسيحيين؛ ما هَمّ، فحيث تكون قِـيَمـنُـا نكون، وحيث تَغيبُ لا نكون وإن كُـنّـا".

تابع: "وعِوضَ أن يُقدِّرَ العالمُ العربيُّ هذا الإسهامَ المسيحيَّ في نهضةِ الشرق، فـتَحتضِنَ "الثوراتُ" العربيةُ المسيحيين وتُعـزِّزَ دورَهم وتُوفِّرَ لهم الأمنَ والطمأنينةَ أكثرَ من الأنظمةِ البائدة، نرى الثوّارَ، وقد برزَ بينهم ثيران، يُمعِنون في اضطهادِ المسيحيين وقتلِهم وإحراقِ كنائسِهم وتدنيسِ مقدّساتِهم وتفجيرِ منازلِهم وتهجيرِ عائلاتِهم في الجزائرِ والعراقِ ومِصر وغيرِها. إن كان مسيحيّو الشرقِ لا ينتظرون مكافأةً على قيمٍ نَشروها، فما كانوا يَتوقّعون بالمقابلِ اضطهاداً مِن الأنظمةِ و"الثورات".

 تسائل قزي "أليس من بابِ الوقاحةِ أيضاً، أن يأتيَ من يتعاطى مع مسيحيي الشرق، ولاسيما مع مسيحيي لبنان، على أساسِ قاعدةِ العدد". قد يكون العددُ ورَقةً تفاوضيةً بين مكوّناتِ كيانٍ ما في مرحلةٍ مأزومة، لكنه ليس قاعدةَ علاقاتٍ اجتماعيةٍ وسياسيةٍ ووطنيةٍ دائمة. وبالنهاية، إن مسيحيي الشرقِ ليسوا أقلية، بل من القلائلِ الذين يناضلون من أجلِ شرقٍ مجيدٍ وجديدٍ تَسوده القيمُ الإنسانيةُ الجامعة." لذا، وبغضِّ النظرِ عن نِسبةِ عددِهم ومدى انتشارِهم وبمنأى عن قوَّتِهم وضُعفِهم، التزمَ المسيحيّون مبادئَ الانفتاحِ والحوارِ في لبنانَ والشرقِ، فلم يَحتكِموا إلى السلاحِ دفاعاً عن وجودِهم فقط، بل عن وجودِهم مع المسلمين." والمذابحُ التي تعرّض لها مسيحيّو العراق ـ ولبنان أيضاً ـ ما كانت لتحصُلَ لو قَبِلوا الانعزالَ، كغيرِهم، عن المُسلمين. وللتذكير، إنَّ المسيحيةَ عَمّت سلمياً بلادَ الرافدَين سنةَ 60 ميلادية. ولما دخلَها خالدُ بن الوليد بالقوّة، قال لمسيحييها: "أنتم منّا، فما الذي يَربُطكم بالرومان؟".

تابع: "إنطلاقاً من كلِّ هذه التحدياتِ والوقائعِ التي تَحوطُ بمسيحيي لبنانَ والشرق، أيجوز أن يَبقى أركانُ المسيحيّةِ اللبنانيةِ مختلِفين على الصغائرِ ويتبادلون الاتهاماتِ التافهةَ فيما الشرقُ يَضطَرب والوجودُ المسيحيُّ يَنحَسِر؟
انبُذوا خلافاتِكم، تَعالوا على حساسياتكم وحساباتِكم الشخصية.
ابْحَثوا عمّا يَجمَعُـكم وهو ثابتٌ، لا عمّا يُخلِفكُم وهو عابر.
تَخطّوا ثوابتَ "البريستول"، وإعلانَ "البيال" وتفاهمَ مار مخايل واتفاقَ الدوحة وأوراقَ 8 و 14 آذار وادخُلوا إلى قيمِ الإنجيلِ وفرحِه، إلى عظةِ الجبلِ وتَطْويباتِها. هكذا تدافعون عن الوجودِ المسيحيّ الحرّ في لبنان والشرق. هكذا تُحصِّنون أنفسَكم لمواكبةِ التحولاتِ التاريخيةِ الكبرى. هكذا تصبحون حامِلي إرثِ آبائِنا وأجدادِنا. وهكذا تَتحضّرون لاستقبالِ قيمِ المسيحيّـةِ العائدة. إن دورَ المسيحيين تاريخياً كان يَقوى في زمن ثوراتِ الشعوبِ العربية لأنهم أحدُ صانعيها، ويَضعَف في زمنِ الأنظمةِ الجائرةِ لأنها تَعتبرُهم ذِمِّـيّوها.  

وختم بالقول: "من هذه الذِهنيةِ المنفتِحةِ على الآخَر، وتحديداً على المسلمِ العربي، لا بد من طرحِ فكرتين، الأولى باتجاهِ الوضعِ المسيحيِّ، والأخرى باتجاهِ الحالةِ العربيةِ الثائرة عموماً،
وهما أولاً إنشاءُ هيئةِ المسيحيين العرب، ومُهمَّـتُها الدفاعُ عن الوجودِ المسيحيِّ المشرقيِّ في كلِّ المحافلِ العربيةِ والدولية، واقتراحُ الـنُظمِ الدستوريةِ التي تَحفَظ أمنَ الجماعاتِ المسيحيّـةِ وحريّـاتِها وحقوقِها الوطنيةِ في إطارِ الشراكةِ المسيحيةِ ـ الإسلامية،
وثانياً دعوةُ المشاركين الأساسيين في القِمةِ الروحيةِ اللبنانيةِ التي انعقَدت في بكركي إلى القيامِ بجولةٍ على كلِّ الدولِ العربية وإيران، فـيُقدِّمون عبرَ تعدديتِهم نَموذجاً لبنانياً للقاءِ الأديان، ويُحِثّون القُوى المتصارعةَ هناك على الإصلاحِ والتغييرِ والمصالحةِ والحوار".




JTK = Envoyé de mon iPad.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.