باسيل: اذا سقط لبنان تسقط المسيحية والقيم الانسانية
اكد وزير الطاقة والمياه جبران باسيل ان "فرنسا بكل اجهزتها تعلم جيدا الخطر المحدق بالمنطقة، بكل طوائفها وتعدديتها، مسلمين ومسيحيين، من الجماعة التكفيرية التي ترفض كل من هو مختلف عنها ولو من الدين نفسه ومن المذهب نفسه والمعلومات كافية عما يحدث في المنطقة لدينا" .
واشار في خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في مركز الصحافة الاجنبية في باريس بدعوة من نادي الصحافة العربي، الى "اننا نأخذ المواقع الامامية في الدفاع عن فرنسا وعن اوروبا، واذا كنا ندفع ثمنا فهو ثمن هذا الموقع المتمسكين به والباقين فيه، فاللبناني اختار ان يبقى في لبنان لانه يلعب هذا الدور نيابة عن كل الغرب، من هنا لا يحق للغرب ان يتركه فهو يدفع هذا الثمن عنه وليس فقط بعدم مساعدته، بل عليه ان يلعب الدور المعاكس له لان الخطر حتمي وقريب والكل سيدفع ثمنه" .
وحذر باسيل تزامنا مع عيد الاستقلال، مما قد ينتج من تدخل بعض الاطراف اللبنانيين في الشؤون السورية. وعرض لما تم انجازه في الملف النفطي حتى الآن.
وقال: "يتزامن لقاؤنا اليوم مع الذكرى الـ 69 لاستقلال لبنان. استقلال تنتقصه كل يوم الاعتداءات الاسرائيلية التي، الدولة التي عبر تاريخها، اعتمدت على منطق القوة في سعيها لحل مشاكلها. الا انها قد منيت مؤخرا بهزيمة على يد منطق الحقوق الذي يدافع عنه المقاومون في لبنان وغزة.
استقلال هو قيمة وطنية، استعادتها اصعب من الحفاظ عليها في بلد طبقته السياسية جاهزة ابدا للمساومة. وهي حقيقة ظهرتها مرة اخرى الازمة الحالية في سوريا حيث يتدخل بعض الاطراف اللبنانيين في شؤونها مما يبرر لاحقا اي تدخل سوري في الشؤون اللبنانية ويهدد بالتالي استقلال لبنان. هذه التدخلات تعزز الحجج التي لطالما تذرعت بها سوريا خلال هيمنتها على لبنان كالقول بأن لبنان هو "الخاصرة الرخوة" و "ممر للمؤامرات" بينما نحن لطالما ناضلنا وما زلنا نناضل كي يكون لبنان العمود الفقري في المنطقة و"السد الحامي".
اضاف: "استقلال بلد مهدد بصعود موجة التطرف في منطقة غنية بتنوع اذا ما الغي ستكون له عواقب مميتة على العالم اجمع وخصوصا على اوروبا وفرنسا" .
واشار الى ان ما يسمى "الربيع العربي"، ثبت انه "شتاء قارس" وغوص في عصر الظلام. فقد تم استبدال الدكتاتوريات بحكومات اسلامية، والحركات المتطرفة المستوحاة من تنظيم القاعدة في صعود مضطرد. ولم تتأخر العواقب بالظهور: مقترحات لتشريعات اسلامية في مصر، مثل "تطبيق الشريعة"، حظر بعض المظاهر والأنشطة الثقافية والفنية في المغرب، وظهور التعصب الديني الغريب كليا عن لبنان وعن مجتمعه المتنوع دينيا، وأخيرا الهجمات الإرهابية، حتى ضد الدول التي هي بمثابة "عرابة " لهذه الحركات، والتي تجعلنا نفكر بتكرار بن لادن.
بناء عليه، إن التعبير عن الدهشة والأسف لا يكفي، والمطلوب اليوم هو تغيير السياسات الغربية التي تهددنا جميعا. ان المناورات السطحية التي تحاول استيعاب المتطرفين في أطر سياسة واسعة والاعتراف بهم من أجل استرضائهم لن تحل المشكلة في صميمها بل ستجعلها تتفاقم" .
وتابع: "الله وهبنا "المشرق"، منطقة لها اهمية انسانية تتعدى اهميتها الجغرافية. هذا المشرق الذي يضم كل الديانات السماوية وهو مهد المسيحية، يجد نفسه اليوم خاليا من مسيحييه. البابا بنديكتوس السادس عشر قال: ان الشرق الاوسط من دون المسيحيين، او مع قليل من المسيحيين، لن يبقى "الشرق الأوسط."
بالفعل، لقد انخفض عددنا بشكل دراماتيكي خلال السنوات الخمسين الاخيرة، من 20 % الى 8 % في المشرق والى اقل من 4% في الشرق الاوسط بشكل عام، ومن 53% في القدس عام 1992 الى 2% اليوم، ومن 85 % في بيت لحم عام 1948 الى اقل من 12 % حاليا .
وهذا الامر لم ينتج عن انهيار مالي او تسونامي ضخم او جراء اصطدام نيزك بالارض. ان السبب الاكثر تأثيرا هو سياسة الغرب التي فضلت "محورين لمصالحها" :
1. امن إسرائيل على حساب حقوق شعوب المنطقة.
2. أمن إمدادات النفط في الخليج مقابل دعم الأنظمة الاستبدادية، "عرابة" الحركات التكفيرية" .
وقال: "امام هذا الواقع المحزن، وبنعمة الله، منحنا المشرق ميزة اضافية، جيولوجية هذه المرة، حيث تبين انه يحتوي على احتياطيات غاز كافية لتغيير المعطيات ولتقديم بديل للعالم هو نفطي هذه المرة، بالإضافة إلى البدائل الانسانية التي طالما تم تجاهلها، ما يسمح بتقديم واقع جديد: لنا بالتقدم حقيقة جديدة:
لبنان يعد بموارد هيدروكربونية هائلة في منطقة البحر الأبيض المتوسط، على مقربة من أوروبا وآسيا. وبالتالي، يمكنه ضمان امدادات الغاز الى الدول الصديقة لعقود دون ان يتم ذلك على اساس المساومة على القيم الإنسانية مقابل القيم المادية، مثل حالات عدة في منطقتنا.
هذا الواقع الجديد، الى جانب عوامل قوة اخرى متوافرة لدى لبنان بفضل مقاومته، يسمح لنا بطرح الصيغة التالية:
- لا يمكن لأحد ضمان أمن أية دولة، خصوصا إسرائيل، عندما تغرق الدول المجاورة في انعدام الأمن والعنف.
- لا يمكن لأحد الحفاظ على الازدهار الاقتصادي لدولة ما، بما في ذلك إسرائيل، عندما يعاني جوارها من الركود والفقر.
هذا الوضع الجديد يمكن استثماره ايجابا، اي يمكن استخدامه ليكون احد عوامل الاستقرار في المنطقة بأكملها وليس سببا للصراع. وبالتالي، سيكون من غير الوارد أن تتمتع دولة بمواردها بينما تحرم جيرانها منها، وسيكون من الممنوع منع مثل هذه الاستفادة، وبالتالي سيستفيد الجميع" .
وتطرق باسيل الى الوضع النفطي في لبنان "والتقدم الذي تم احرازه منذ تسلمنا الوزارة" ، وقال: " لطالما كان لبنان بلدا مستوردا للنفط، وتتعدى الكلفة النفطية الـ 15 % من الناتج المحلي الإجمالي. الطرق البحرية في الغرب وخطوط أنابيب الغاز في الشرق امنت عملية الامداد في وقت السلم، وشكلت تهديدا لامن الطاقة لدينا في أوقات الأزمات. وهذا الواقع خلق لدينا شكوكا خطيرة نتيجة تبعيتنا الكاملة في مجال الطاقة. ونتيجة ذلك، كان موقعنا الاستراتيجي في شرق البحر الأبيض المتوسط، بمثابة لعنة في ظل عدم وجود استراتيجية وطنية للطاقة. وبهدف تحويل هذا الامر الى نعمة، استندت استراتيجيتنا الجديدة على الاستقلال والامن والموارد وتنوع المصادر. هدفنا، وكأي دولة أخرى، هو ضمان استقلالنا في مجال الطاقة وتجنب الآثار السلبية للأزمات الإقليمية والعالمية.
وفي هذا السياق عملنا على ثلاث طرق متوازية ولكن متكاملة، خصوصا:
1- استكشاف واستخراج مواردنا النفطية: فقد اصدرنا "قانون النفط" عام 2010، وصدقنا مراسيم الأنشطة البترولية في المياه الاقليمية اللبنانية في كانون الاول 2012. وبين الخطوتين، بدأنا بوضع اطر عملنا، فأعددنا القوانين الادارية والتنظيمية وكذلك عقودا نموذجية، وتم ترسيم الحدود البحرية ووضع التقييم البيئي الاستراتيجي. وآخر انجازاتنا كان تعيين هيئة ادارة قطاع النفط، الممر الضروري لإطلاق الجولة الأولى من استدراج العروض التي ستجرى قريبا لمنح التراخيص" .
واوضح ان لبنان هو احد البلدان القليلة التي اجرت مسحا شاملا لمياهها البحرية من خلال عمليات المسح الزلزالية الجغرافية 2D و 3D. وتحليل البيانات يسمح لنا بتأكيد نسبة نجاح عمليات التنقيب بنسبة 25% ، ما يقلص فترة مرحلة الاستكشاف ويسرع الخطوات نحو اول اكتشاف. كذلك اطلقنا مؤخرا استحصال البيانات الجيوفيزيائية للاراضي اللبنانية بالتعاون مع شركات أوروبية أيضا.
عشرات شركات النفط العالمية، بخاصة الأوروبية، اشترت البيانات الجيوفيزيائية بمبلغ يتجاوز 100 مليون دولار حتى الآن.
2 - خط أنابيب التوزيع ومحطة للغاز الطبيعي المسال: انهينا دراسة خط الانابيب الساحلية التي يجب ان تربط محطات الطاقة لدينا ومصانعنا والمدن الرئيسية بخط الغاز العربي (AGP) ومن ثم بشبكة الغاز الأوروبية الآسيوية .
كذلك أنهينا دراسة الجدوى الاقتصادية لمحطة regazéifications الغاز الطبيعي المسال على الساحل اللبناني. وبنجاح، اتممنا expression d'interet لهذه المحطة العائمة والتي من بعدها سنطلق المناقصة والمفاوضات لتوريد الغاز الطبيعي المسال.
3 - إعادة التأهيل وتعزيز المنشآت النفطية لدينا: أكملنا دراسة إعادة تأهيل مرافق التخزين للمنتجات البترولية، وتلقينا les expressions d'interet من أكبر الشركات العالمية للاستثمار في عمليات الاستخراج. وتجدر الاشارة الى ان الوزارة تلقت بعض الطلبات لاعادة تأهيل واستخراج des raffineries وهي تقوم بتقييمها. وهذه المشاريع ستجعل لبنان مركزا للنفط على البحر المتوسط.
وتابع:" إلى جانب هذه الميزة المادية، يقدم بلدي لبنان نموذجا انسانيا استثنائيا في العالم. فهو يمكن أن يكون نقطة التصادم بين ثقافتين: واحدة تعددية تعترف بالحق في الاختلاف، واخرى قمعية ترفض الآخر سواء كان ثقافيا ودينيا واجتماعيا واخلاقيا، وهي ترفضه بالشكل والمضمون. كما يمكن ان يكون نقطة تلاق لهاتين الثقافتين مما يعزز الحوار والتعايش والسلام. في نموذجنا، المسيحيون ليسوا أحفاد الناجين من الحروب الصليبية، هم المسيحيون الاوائل الذين تعمدوا على يد الرسل أنفسهم، رسل المسيح الأوائل، وأول مؤسسي الحضارة المسيحية. وفي نموذجنا، المسلمون ليسوا أحفاد الناجين من موجات غزو المماليك والعثمانيين وغيرهم من الانظمة الظلامية، فهم يتحدرون من الأنبياء، وهم شعب ورحمة" .
وشدد على " اننا حذرنا مرارا، ولكن دون نتيجة، من خطورة الوضع. اننا نضحي برفاهيتنا وبقدرتنا على التكيف والاندماج في المجتمعات الغربية من اجل الدفاع وتعزيز نموذج عالمي في الشرق. هذا الدفاع لا يقتصر على وجود المسيحيين في الشرق الاوسط، لكنه يتجاوزه ليشمل كل الاديان في المنطقة بل في العالم اجمع. ولكن للاسف لم يدرك العالم اهمية هذا النموذج بالرغم من احداث 11 ايلول والهجمات الإرهابية في باريس أو لندن.
نعم، لقد حذرنا مرارا وتكرارا:
عام 1989، كتب العماد ميشال عون الى الرئيس ميتران: "... أعتقد أن المواجهة بين الغرب والإسلاميين ستكون بلا شك احدى اهم الازمات في نهاية هذا القرن ..."
عام 1995، وفي رسالته الموجهة الى قادة العالم، كتب الجنرال مرة اخرى (واقتبس) "... يمكن أن يغرق التطرف الديني حضارة بأكملها في الظلام ... لن يكون احد في مأمن من العنف الذي سيولده انفجار مشاعر العنصرية والأصوليين، ولن تتمكن اي حدود من احتوائه ... هذه الجرائم يمكن أن تطال الأشخاص نفسهم الذين سمحوا بنموها ... "
عام 2010، في رسالته إلى السينودوس، طرح العماد عون تصور الشرق الأوسط من دون مسيحييه:"... عندها سينتصر الشر في العالم ويلغي فعل القيامة وسيذهب العالم الى مذبحة لم يسبق لها مثيل" .
وختم باسيل: "إذا لم يتم احتواء موجة الكراهية عندنا، ولن تتأخر في بلوغ شواطئكم، ولن يكون احد بأمان. اذا سقط لبنان تسقط المسيحية، وتسقط القيم الانسانية ويسقط العالم الذي اردناه متنوعا. مسيحيو الشرق مدهوشون من السياسات المعتمدة من قبل الغرب والتي لا تؤدي سوى الى تفاقم الازمة التي اجتاحت الأراضي المقدسة والعراق ومصر وسوريا والآن لبنان، معاذ الله.
التصرف، والتصرف في الوقت المناسب! صرخة نطلقها الى مسلمي الشرق ومسيحيي الغرب. ان النموذج الصالح ما زال موجودا، فحافظوا عليه!".
وكان باسيل التقى عددا من ناشطي التجمع من اجل لبنان RPL ، وشكل اللقاء مناسبة لعرض مختلف المواضيع المتعلقة بالتطورات وشؤون التيار الوطني الحر.
وانتقل باسيل الى روما قاطعا زيارته الباريسية لحضور مراسم منح رتبة الكاردينالية للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، على ان يعود الى فرنسا مستكملا جولته حيث يلبي دعوة للمشاركة في العشاء السنوي الذي يقيمه التجمع من اجل لبنان.
الوكالة الوطنية للاعلام
٢٤/١١/٢٠١٢
2012 - | تشرين الثاني - |
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.