المطارنة الموارنة: لعدم صب الزيت على النار في الحرب السورية
انهى سينودس الاساقفة الموارنة خلوته الروحية السنوية الذي انعقد في بكركي برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومشاركة البطريرك الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير والاساقفة الموارنة في لبنان وعالم الانتشار اللبناني والماروني.والقى رئيس اللجنة الاسقفية لوسائل الاعلام المطران بولس مطر البيان الختامي للسينودس، وتناول الاوضاع في لبنان وسوريا والشرق الاوسط وهنا نص البيان:
"اجتمع أصحاب السيادة مطارنة الكنيسة المارونية المقيمون في لبنان والوافدون إليه من أبرشيات سوريا والأردن والأراضي المقدسة ومصر وقبرص وأوروبا وأوستراليا وكندا والولايات المتحدة الأميركية والمكسيك والبرازيل والارجنتين، في الصرح البطريركي في بكركي، بدعوة من صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق الكلي الطوبى، وبرئاسته، وبحضور صاحب الغبطة والنيافة الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الكلي الطوبى، من مساء اليوم التاسع إلى ظهر اليوم الخامس عشر من شهر حزيران سنة 2013. فقاموا برياضتهم الروحية التي دارت تأملاتها حول سنة الإيمان التي أعلنها قداسة البابا السابق بنديكتوس السادس عشر في مناسبة مرور خمسين سنة على افتتاح المجمع الفاتيكاني الثاني، وعقدوا مجمعهم السنوي في جو من التأمل والصلاة واستلهام الروح القدس. وقد استقبلوا في خلال اجتماعهم صاحب الغبطة يوحنا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس الكلي الطوبى مع بعض المطارنة. فكان لهم لقاء أخوي تداولوا فيه بمختلف شؤون الكنيسة والمنطقة، وصلوا معا في كنيسة الصرح على نية إحلال السلام في لبنان وسوريا وفي كل بلدان المشرق. وصدر عنهم بيان مشترك أذيع على وسائل الإعلام. وبعد أن تدارس الآباء المواضيع المدرجة على جدول الأعمال التي تضمنت شؤونا كنسية واجتماعية ووطنية، أصدروا البيان الآتي:
1 - سنة الإيمان
يرفع الآباء آيات الشكر لله على النعم التي يغدقها على الكنيسة والعالم في هذه السنة المخصصة للتأمل بسر الإيمان، ولإحياء هذه الفضيلة التي ترفع الإنسان نحو ربه وتؤسس لأخوة حقيقية تقود البشر جميعا إلى نبذ الخلافات فيما بينهم وتخطي العداوات وإلى تغليب روح المصالحة والتعاون والسلام. ولقد تأملوا بوجوه إيمانية مختارة من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ومن الأزمنة الحديثة والمعاصرة جسدت كلها الإيمان في حياتها وفي أعمالها وبينت قدرته على اختراق التقوقع على الذات ودعوته إلى الالتزام بقبول الآخر وبخير الجماعة. وهم يدعون في هذه المناسبة أبناءهم الأعزاء وجميع ذوي الإرادات الصالحة إلى التمسك بالإيمان بالله خالق جميع الناس على صورته ومثاله، والذي يدعوهم إلى حياة الأخوة في ما بينهم وإلى إقامة حضارة المحبة.
2 - زيارة البطريرك إلى الخارج
أطلع غبطته الآباء على وقائع الزيارة التاريخية التي قام بها إلى فرنسا بدعوة رسمية من رئيس جمهوريتها السيد فرنسوا هولاند، والتي التقى فيها بعد فخامته بوزير خارجيتها السيد لوران فابيوس. وقد دار الحديث في كلا اللقاءين حول العلاقات الودية التي تربط بين فرنسا والموارنة ولبنان، وحول الوضع المقلق في الشرق الأوسط الذي تتعرض شعوبه اليوم لمآسي الحروب المدمرة ولأخطار التفكك الإجتماعي والمذهبي الذي يصيب في العمق ثقافة العيش معا. كما أطلعهم على جولته الراعوية التي قام بها بعد فرنسا إلى أميركا الجنوبية حيث زار تباعا سبع دول هي الأرجنتين والأوروغواي والباراغواي والبرازيل وفنزويلا وكوستاريكا وكولومبيا. وقد لقي غبطته استقبالا حارا وحفاوة مؤثرة من قبل أبنائه الموارنة ومن اللبنانيين المنتشرين في تلك البلدان الذين يقدر عددهم بالملايين، والذين أعربوا بذلك عن مدى تعلقهم بلبنان وبالكرسي البطريركي. وقد التقى غبطته في هذه الدول رؤساء جمهورياتها وسلطاتها المدنية والرؤساء الروحيين فيها من كل الأديان والطوائف. وكان من بينهم العديد من ذوي الأصل اللبناني، الذين وصلوا في البلدان الجديدة التي توطنوها إلى أعلى المراتب وحازوا أكبر النجاحات.
فشكر الآباء الله على نجاح هذه الزيارة التي دلت على أهمية الإنتشار في حياة كنيستهم وضرورة التفاعل بين اللبنانيين المقيمين على ارض الوطن والمنتشرين الذين رفعوا إسمه تحت كل سماء. وأدركوا أن نجاحات أبنائهم في بلدانهم الجديدة والقيم الروحية والأخلاقية التي حملوها معهم كنزا وذخرا، هي التي أمنت لهم احترام الشعوب التي اندمجوا فيها، وبالتالي إلى فرض احترام لبنان في المحافل الدولية والذود عن حقوقه. وإن لهذه النجاحات أن تعود بمزيد من الخير على الوطن الأم إذا ما أعطي للمتحدرين من لبنان فرصة خدمته وإفادته من طاقاتهم الوفيرة.
3 - أبرشيات الانتشار
عرض رعاة الإنتشار واقع أبرشياتهم وتطلعاتها في الزمن الراهن. فأكدوا أن العمل الرسولي عندهم يعرف تقدما ملموسا في إطار التنظيم الكنسي الراهن والاعتناء بالتثقيف الديني وتربية الشبيبة والسهر على قيام دعوات إكليريكية جديدة. ولفتوا إلى أنهم يزدادون رسوخا في أوطانهم الجديدة، وقد صاروا كنائس ثابتة تتطلع نحو المستقبل في إطار حياة منفتحة على الإبداع والتطور المليء بالغنى والخبرات. كما عرضوا على أخوانهم المطارنة أعضاء المجمع حصيلة الإجتماع الدوري الذي عقدوه في الأرجنتين بمشاركة الرؤساء العامين للرهبانيات المارونية أثناء زيارة غبطته إلى تلك البلاد. وقد ادرجوا في جدول أعماله مواضيع كنسية عدة منها موضوع العمل على اكتشاف دعوات كهنوتية في صفوف الشباب المولودين في الانتشار، مع الحفاظ على الترابط بين هذه الأبرشيات وبين الكنيسة الأم في لبنان وتعزيز العلاقات المتبادلة والضرورية لكلا الجانبين. وقد أثنى الآباء على الإنجازات التي حققتها أبرشيات الإنتشار ومنها وضع كتب جديدة للتعليم المسيحي وترجمات متقنة للرتب والصلوات المارونية في اللغات الإنكليزية والإسبانية والبرازيلية والفرنسية والإيطالية وسواها.
4 - الشؤون الليتورجية
اطلع الآباء على اعمال اللجنة البطريركية للشؤون الطقسية وما قامت به من أبحاث وما تعده من نصوص لاستكمال الإصلاح الطقسي بوضع كتاب جديد لصلاة الإكليروس والشعب. فإن هذا الكتاب الذي سيعتمده الموارنة لصلاتهم في كل أصقاع الأرض وباللغات المتعددة التي يتكلمون، سيكون عاملا إضافيا لوحدتهم الروحية على أساس أن "قاعدة الصلاة هي أيضا قاعدة الإيمان". وبالإضافة إلى هذا الجهد المميز، تعد اللجنة كتاب رسامة المرتلين والقارئين والشدايقة وكتاب جناز الأحبار والكهنة وكتابا للارشادات الطقسية وكتابا للرتب والزياحات. كما تعد دراسات حول الفن الكنسي المقدس والموسيقى السريانية المارونية، لتبقى شاهدة على الغنى الروحي لهذا التقليد الكنسي العريق. واستجابة لاقتراح اللجنة حول تنشئة المؤمنين على الليتورجيا سيعتمد الآباء تفعيل اللجان الليتورجية المحلية في أبرشياتهم بهدف إحياء الطقوس فيها بصورة تبرز للمؤمنين المعاني اللاهوتية التي تجسدها وترمز إليها.
5 - التنشئة الكهنوتية
أولى الآباء اهتماما خاصا بموضوع التنشئة الكهنوتية في لبنان وفي أبرشيات الإنتشار. فقيموا الخطوات التي اتخذوها لعام مضى في لبنان بدمج المدارس الإكليريكية الثلاث العاملة فيه، وجمعها تحت إشراف كنسي واحد يكرس فيها وحدة الخطة التوجيهية ووحدة الرؤية لتربية كهنة الغد انطلاقا من الثوابت التي تتضمنها دعوتهم، ومن المتغيرات التي تحملها الأزمنة الحاضرة بتحدياتها الكثيرة. وقد أثنوا مع الآباء المطارنة المشرفين على التنشئة الإكليريكية على الجهود التي قام بها في هذا السبيل رؤساء الإكليريكيات ومعاونوهم. وانطلاقا من مقررات الإجتماع الذي عقده أساقفة الإنتشار في الأرجنتين، تبنى الآباء التوجهات الملحوظة فيه بشأن تأمين دعوات كهنوتية تنبع من أرض الإنتشار ولخدمة الإنتشار، على أن تبقى الكنيسة في لبنان بكهنتها ورهبانها وراهباتها مستعدة لتلبية أي خدمة يتطلبها الحضور الماروني في كل مكان. كما وافق الآباء على تخصيص المدرسة الحبرية المارونية في روما للكهنة الموارنة الذين يفدون إليها من النطاق البطريركي ومن الإنتشار ليتابعوا دروسهم العالية في إطارها ويعودوا إلى أبرشياتهم مزودين لخدمتها بالمعرفة والخبرة المطلوبتين.
6 - سوريا والشرق الأوسط
إستمع الآباء بمحبة وتضامن إلى ما عرض عليهم إخوانهم مطارنة الأبرشيات المارونية في بلدان الشرق الأوسط من مستجدات حول أوضاع أبنائهم فيها، وبخاصة حول آلام الشعب السوري الشقيق الرازح تحت وطأة المأساة التي حلت بوطنه العزيز. وهم حيال الأخطار المحدقة بتلك البلاد يدعون الجميع فيها إلى وقف دوامة العنف فورا والعودة إلى لغة الحوار والتفاهم سعيا إلى المصالحة والتضامن والسلام، فيعيش جميع المواطنين في سوريا والمنطقة في جو من الحرية والكرامة والمساواة، يتأمن لهم من دون تفرقة ولا تمييز. فهم إذا ما استمروا في هذه الحروب العبثية سيكونون كلهم خاسرين، أما إذا تخلوا عن التقاتل ونبذوا العنف وسعوا إلى المصالحة فإنهم سيكونون جميعا رابحين.
ويدعو الآباء بمحبة وإلحاح جميع الأفرقاء في الداخل والخارج إلى عدم صب الزيت على النار في هذه الحرب المستعرة، وأن يستبدلوا هذا الموقف بمساعدة جميع السوريين على التصالح فيما بينهم والسعي إلى سلام الإخوة فيرجع فورا جميع النازحين من سوريا وهم بالملايين، إلى بيوتهم وقراهم وإلى العيش فيها بكرامة وأمان. وهم يستنكرون بشدة استمرار الخطف الذي شمل العديد من الناس، ومن بينهم سيادة المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم والكاهنين ميشال كيال واسحق محفوض وسائر المخطوفين في كل من سوريا ولبنان. ويدعمون فكرة التوافق الذي دعت إليه القوى الكبرى من خلال مؤتمر جنيف الثاني، آملين أن يلبي الجميع هذا المطلب الإنقاذي الذي سيؤدي وحده إلى استرجاع السلام في سوريا وفي دول المنطقة. وتوجهت أنظار الآباء نحو الشعوب التي تعرف في المنطقة أزمات حادة. فأسفوا لتدهور الاقتصاد في قبرص بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى ضيقة اجتماعية شديدة أضيفت إلى مأساة تقسيم الجزيرة التي ما زال أبناؤهم الموارنة يعانون منها أسوة بغيرهم من المواطنين.
كما أسفوا أيضا لاستمرار معاناة اللبنانيين المبعدين قسرا من الجنوب إلى الأرض المحتلة، وهم يناشدون المسؤولين إنهاء معاناتهم ورفع الظلم عنهم فلا يبقون في مكان غير مكانهم.
7 - الأوضاع في لبنان
يتابع الآباء بقلق بالغ تطورات الأوضاع في لبنان، الأمنية منها والسياسية. فالتفجيرات في طرابلس وفي مناطق الحدود الشمالية والبقاعية، باتت مصدر خوف كبير ومتعاظم. وقد انعكس فقدان الأمن ترديا في الاقتصاد، فتحول إلى عبء ثقيل لم يعد اللبنانيون يطيقون حمله، وبخاصة مع حلول صيف لن يستقبل فيه لبنان، على ما يبدو إلى الآن، ضيوفا ومصطافين. أما في الوضع السياسي فإن عدم قدرة المسؤولين على سن قانون جديد عادل للانتخابات، والتمديد للمجلس النيابي لأمد طويل والحيلولة دون تمكين المجلس الدستوري من إصدار أي قرار بقبول هذا القانون أو رفضه، والشكوك السائرة حول مصير الديموقراطية في مثل هذه الظروف، باتت كلها عوامل تؤثر سلباً على رسالة لبنان وحضوره الفاعل في محيطه.
وإن ما يزيد الأسى حيال هذه التطورات أن المنطقة هي اليوم أحوج ما تكون إلى لبنان النموذج في الديموقراطية والعيش معا، ليشكل بحالته هذه رافعة تعمل من أجل إبعاد الشرق عن الفتن الطائفية والمذهبية الحائمة في أجوائه. فهل يعي اللبنانيون مسؤولياتهم التاريخية هذه تجاه المنطقة ومصيرها؟ إن لبنان المعافى هو الطريق المفتوح أمام الشرق ليصل إلى تقدمه وسلامه، ولبنان المتعثر هو الطريق المسدود، والحائل دون هذا التقدم ودون الوصول إليه.
بعد ختام هذه الرياضة، سيشارك الآباء غدا الأحد بالقداس الإلهي الذي يرئسه غبطة السيد البطريرك في بازيليك سيدة لبنان - حريصا. وسيكون تبريك غبطته لهذا المعبد بعد انتهاء الترميم فيه مناسبة طيبة يستنحها لتكريس لبنان وشعبه لقلب هذه الأم الحنون، سيدة الرحمة والمعونة. وإنهم سيرفعون الصلاة مع غبطته من أجل إحلال السلام في لبنان وسوريا وكل منطقة الشرق الأوسط، وسيذكرون فيها ابناءهم المقيمين في المشرق والمنتشرين تحت كل سماء، راجين لهم التوفيق في كل مساعيهم، والاستمرار في الحفاظ على إرث الآباء والأجداد، والتمسك بإكرام العذراء الطاهرة التي رافقتهم طوال تاريخهم بشفاعتها وحمايتها، وأن يسلموا القيم الروحية والوطنية التي تنشأوا عليها إلى أجيالهم الطالعة صونا لإرث ثمين من المحبة والإنسانية، مستمطرين عليهم جميعا فيضا سخيا من نعم الله وبركاته".
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.