البابا وقّع الإرشاد في حريصا راسماً "خريطة طريق" لمسيحيي المنطقة
لحام ذكّر بالصراع العربي - الاسرائيلي والاعتراف بفلسطين "ربيع حقيقي
ريتا صفي- النهار- 2012-09-15
فيما كانت جلبة الاحتجاجات تهز بعض الدول العربية وصولا الى مناطق لبنانية تنديدا بالفيلم الذي تناول الاسلام، كان البابا بينيديكتوس السادس عشر يرفع وممثلي الطوائف المسيحية والاسلامية في لبنان الدعوات والصلوات "للاحتفال بانتصار الحب على الكراهية، والتسامح على الانتقام والوحدة على الانقسام".
ومع ان الحبر الاعظم نقل "من السماء" وعلى متن الطائرة التي اقلته من روما الى بيروت عناوين عريضة لمواقف الكرسي الرسولي حيال "الربيع العربي" والظروف التي تشهدها المنطقة، وهي ربما من اشد مواقفه وضوحا حيال هذه التحولات منذ اندلاعها، فقد عاد وجدد "على الارض" بعضا منها، راسما خلال الاحتفال بتوقيعه الارشاد الرسولي خطوطا عريضة. عنوانها "التمسك بالحقيقة ونقاوة الإيمان ومحبة الصليب التي يمكنها ان تحول آلامنا الى إعلان حب الله ورحمة لجيراننا".
وفي مشهد معبر، ساهمت في اظهار معالمه الترانيم الدينية والشموع والتصفيق، شق "رسول السلام" طريقه بين الجموع في البولسية رافعا صليبه، صليب المسيحيين و...بسمة. وبدا وراءه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وكان سبقهما بدقائق رئيس الجمهورية ميشال سليمان فالكاردينال مار نصرالله بطرس صفير.
ورأس الكنيسة الكاثوليكية الذي قارب المخاوف المسيحية المشرقية بتأكيده "ان كنائس الشرق الأوسط لا تخاف لان الرب والكنيسة العالمية معها" كان متلقيا بانتباه كلمة بطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام الذي ربط بين اهداف تنفيذ السينودس والوصول الى "ربيع عربي" حقيقي عبر ايجاد حل للصراع العربي - الاسرائيلي، ليضع بعدها "ختمه" على وثيقة السينودس الموجه الى مسيحيي لبنان والمنطقة والتي تبدو اشبه بخريطة طريق لهم للاعوام المقبلة.
ولقاء حريصا الذي بلور في جانب منه التلاحم بين الرئاسة اللبنانية المسيحية الوحيدة في هذا الجزء من العالم والكنيسة بشقيها المحلي والعالمي، لم يخل من لقطات ذات دلالات في هذا المجال، عكسها حضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان وعقيلته اللقاء، فالتحيات والسلامات المتبادلة بينه وبين رأس الكنيسة الكاثوليكية، الى سائر ممثلي الطوائف والمذاهب الاسلامية والمسيحية، فضلا عن الصور التي جمعت سليمان وبينيديكتوس السادس عشر على امتداد الطرق المؤدية الى مكان التوقيع.
وكان البابا تناول "تجديد" الهوية العربية في وقت سابق، آملا في ان يؤدي "الربيع العربي" الى ديموقراطية وحرية اكثر، ومحذرا من التشدد الذي "يزور" الديانة، وهو اعقب مواقفه هذه بابراز اهمية التمسك "بلغة الصليب"، مستعينا بالامبراطور قسطنطين "الذي استطاع اخراج المسيحيين من التمييز".
في اي حال، ورغم اقتصار لقاء البولسية على حضور ديني وبعض الشخصيات المدنية، فهو لم يخل من مشاركة شعبية جسدها حضور اهالي درعون وحريصا والقرى المحيطة الى المكان، رافعين الصور والاعلام البابوية، ومعها الآمال "بلبنان وشرق اكثر امنا وسلاما" وتوجت بتسليمهم الحبر الاعظم مفتاح بلدتهم.
ومعلوم ان البابا الثالث الذي يزور لبنان، حيث اتخذت تدابير امنية مشددة شاركت فيها حتى الكلاب البوليسية، كان جال في الاعوام الماضية على عدد من دول المنطقة منها الاردن وتركيا وقبرص والاراضي الفلسطينية، وهو ثاني شخصية عالمية تزور بيروت هذا العام بعد الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في كانون الثاني الماضي.
وبالتزامن مع توقيعه الارشاد الرسولي، قال بينيديكتوس السادس عشر: "وجودكم يجلل توقيع الارشاد الرسولي ويشهد على هذه الوثيقة المخصصة للكنيسة الجامعة ويتمتع بأهمية خاصة للشرق الاوسط.
انه لعجائبي ان يقع هذا التوقيع في يوم عيد الصليب، والذي يتم الاحتفال به في الشرق منذ العام 335، في يوم اهداء بازيليك القيامة التي بناها الامبراطور قسطنطين الكبير على الجلجلة وقبر السيد المسيح (...) يبدو لي ان الارشاد الرسولي ممكن ان يقرأ ويترجم في ضوء عيد الصليب المقدس، وبخاصة في ضوء الميرون.
قراءة مماثلة يمكنها ان تؤدي الى اعادة اكتشاف حقيقية لهوية المعمد والكنيسة، وتشكل في الوقت نفسه دعوة الى الشهادة في ومن خلال العمادة. اليست العمادة والشهادة المسيحيتان مبنيتين على سر الفصح، الصلب، الموت وقيامة المسيح؟
هنالك صلة قوية بين الصليب والقيامة التي لا يمكن المسيحي ان ينساها من دون هذه الصلة، تمجيد الصليب كان من الممكن ان يعني تبرير العذاب والموت لكي لا نجد فيهما سوى نهاية محتمة. بالنسبة الى المسيحيين تمجيد الصليب يعني المشاركة في المحبة غير المشروطة التي يكنها الله للانسان. انه فعل ايمان! تمجيد الصليب، في منظور القيامة يعني الرغبة في العيش وفي التعبير عن هذه المحبة، انه فعل محبة! (...) تمكنت الكنيسة من سماع صرخة القلق والانتباه الى نظرة العديد من الرجال والنساء اليائسين والذين يعانون اوضاعاً بشرية ومادية صعبة، ويعيشون توترات قوية في الخوف والقلق ويريدون ان يتبعوا المسيح، الذي يعطي معنى لوجودهم، والذين وجدوا انفسهم ممنوعين عن ذلك.
في الوقت نفسه تمكنت من اكتشاف ما هو جميل ونبيل في هذه الكنائس على هذه الارض. كيف لا نشكر الله على كل لحظة من اجلكم كلكم (الفقرة الاولى من الارشاد الرسولي) يا مسيحيي الشرق الاوسط؟ كيف لا نمجده من اجل شجاعتكم في الايمان؟ كيف لا نشكره من اجل شعلة المحبة اللامتناهية التي تحتفظون بها مشتعلة في هذه الاماكن التي كانت الاولى التي استقبلت ابنه المتجسد؟ كيف لا نعبر له عن تقديرنا للشركة الكنسية والاخوية والتضامن البشري مع كل اطفال الله؟"
وأضاف: "ان الكنيسة في الشرق الاوسط تجعل اعادة التفكير في الحاضر من اجل التطلع نحو المستقبل في أعين المسيح مجالا ممكنا. من خلال الارشاد الانجيلي والرعوي تتم الدعوة الى تعميق التأمل الروحي والكنسي والدعوة الى التجدد الديني والليتورجي، كما انها تدعو الى الحوار، الارشاد يشير الى طريق لاعادة اكتشاف ما هو اساسي: ان تتبع المسيح حتى في الحالات الصعبة احيانا والمؤلمة التي تؤدي الى اغراءات لتجاهل او حتى نسيان تمجيد الصليب".
وتابع: "اننا مدعوون هنا الى الاحتفال بانتصار الحب على الكراهية، والتسامح على الانتقام، والخدمة على السيطرة، والتواضع على الكبرياء، والوحدة على الانقسام.
في ضوء احتفالنا اليوم، ونظرا الى التطبيق المثمر للارشاد احضكم جميعا على الا تخافوا، وان تمسكوا بالحقيقة ونقاوة الايمان. هذه هي لغة الصليب المجيدة، هذه هي محبة الصليب بجنون: محبة يمكنها ان تحول آلامنا اعلاناً عن حب الله ورحمة لجيراننا، محبة جنونية قادرة على تحويل هؤلاء الذين يعانون بسبب ايمانهم وهويتهم الى اناء من فخار جاهز للامتلاء بعطايا إلهية أثمن من الذهب. ولا نتكلم هنا عن لغة محض شعرية، بل عن نداء عاجل للقيام بأفعال حسية تشبه دائما المسيح، أفعال تساعد مختلف الكنائس لتعكس جمال جماعات المؤمنين، أفعال تشبه الأمبراطور قسطنطين الذي استطاع تقديم شهادة واخراج المسيحيين من التمييز، لمساعدتهم على عيش ايمانهم بالمسيح المصلوب والقائم من الأموات بحرية وانفتاح".
واكد "ان الكنيسة في الشرق الأوسط تقدم عناصر يمكنها ان تساعد على القيام بفحص ضمير شخصي وجماعي وبتقييم موضوعي للالتزام والرغبة في القداسة لكل تلاميذ المسيح.
ان الارشاد يظهر انفتاحا على حوار حقيقي بين الأديان، مبنيا على الايمان بالاله الواحد الخالق. كما انه يساهم بعمل مسكوني مفعم بالحب والعطاء.
ان الارشاد في كل مكوناته يسعى الى مساعدة كل واحد من تلامذة المسيح ليعيشوا على أكمل وجه وان ينقلوا بشكل حقيقي الى الآخرين ما أصبحوا عليه بعد العماد. كما يسعى الارشاد الى تطهير الايمان من كل ما يشوهه، ومن كل شيء يحجب نور المسيح".
وقال: "ان كنائس الشرق الاوسط لا تخاف لأن الرب معها حتى النهاية. لا تخافوا، لأن الكنيسة العالمية تسير الى جانبكم وهي قريبة منكم انسانيا وروحيا."
أيتيروفيتش
وكان أمين السر العام لسينودس الأساقفة المونسنيور نيكولا أيتيروفيتش قال "من خلال إرادة الآب السماوي أصبح المسيح مخلصا على خشبة الصليب وخلاصه لكل المسكونة، لا فرق بين يونانيين ويهود، الخلاص لكل من يعرف ويدرك حكمة الله".
واضاف: "كل أساقفة الشرق الأوسط بشراكة وشهادة، بحيث أن تعددية كل المؤمنين بالله رغم اختلافهم هم قلب واحد، وروح واحدة، لندرك كلنا أننا أعضاء جسد المسيح السري، وعلامة لصليبه الذي جعلنا نتغلب على كل الاختبارات والخبرات المؤلمة، والممزوجة تارة باللاعدالة وطورا بالألم، والمختلطة بالمعاناة والعنف، وأحيانا كثيرة بالحرب. ولكننا نقول إننا بنعمة الروح القدس، ما زلنا وسنبقى حاضرين ومؤمنين بأن صليبنا هو طريق الخلاص لجميع من يريدون سلوك هذه الطريق وبحرية أبناء الله (..) ".
واشار الى ان "ما يجمعنا هو العمل والمحبة والشراكة من أجل تخطي كل الصعوبات وملء الفراغات وسط آلام هذا الدهر، لكي نتمكن من معالجة كل ما ينقصنا فيولد الربيع المشرقي الجديد وهو وليد الارشاد الرسولي الصادر عن قداستكم ونؤمن أنه دستور حي لاحياء الكنيسة".
وختم:"قداسة الحبر الأعظم، باسم كل أعضاء مجلس بطاركة وأساقفة الشرق الأوسط، يشرفني دعوتكم الكريمة لتوقيع الارشاد الرسولي ليكون لنا طريقا جديدة في شرق أوسطي جديد مزروع في قلب كل مسيحي".
لحام
وبعد دخوله البازيليك، جلس البابا على الكرسي المخصص له وسط البطاركة الذين قدموا للمشاركة في حدث التوقيع على الارشاد الرسولي.
وكان البطريرك لحام استهل اللقاء بالقول: "توقعون هذا الارشاد في لبنان، ولكنه موجه الى الكنيسة في الشرق الاوسط، لا بل هو في محتواه وغايته موجه الى المشرق الغربي بأسره انطلاقاً من لبنان. انه ارشاد رسولي للمسيحيين في لبنان والشرق العربي. ويتعداهم اذ انه ضروري لاجل ايضاح معنى وجودهم، ودورهم ورسالتهم وخدمتهم وشهادتهم في العالم العربي ذي الاغلبية المسلمة. وتختصر هذه الرسالة بأن يكونوا نوراً وملحاً وخميرة، ويعرفوا انهم القطيع الصغير الذي لا يخاف ولا يرهب ولا يتراجع امام دوره الكبير.
ان جوهر الارشاد الرسولي هو شعاره: شركة وشهادة. اعني وحدة في الداخل لاجل شهادة في الخارج. انه شعار مسيحي. ولكنه ايضاً شعار مسيحي – اسلامي، لانه شعار يجب ان يعاش بتفاعل وتواصل مع اطياف هذه المنطقة وطوائفها. لا بل من الضروري ان يعاش على مستوى العالم العربي.
لقد اهتم السينودس لاجل الشرق الاوسط اهتماماً مميزاً بقضية لها تأثير كبير على الكنيسة في الشرق العربي الا وهي القضية الفلسطينية. اننا نشكر موقف الفاتيكان والبابوات الثابت على مر السنين تجاه هذه القضية".
وراى "ان هذا الموقف الثابت هو عمل حق وعدل وعدالة، يحتاج اليه عالمنا اليوم الذي تكثر فيه المظالم السياسية، وهكذا يبقى الفاتيكان رائد العدالة العالمية. مع العلم ان حل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي العربي كفيل بأن يحل مشاكل العالم العربي الاكثر تعقيداً وهو كفيل ايضاً وخصوصاً بلجم هجرة المسيحيين، وتثبيت وجودهم في الشرق مهد المسيحية، ليتابعوا فيه مسيرتهم التاريخية ودورهم ورسالتهم، جنباً الى جنب ويداً بيد مع اخوتهم ومواطنيهم المسلمين من جميع الطوائف، لكي تكون للجميع الحياة وتكون لهم اوفر (يوحنا 10:10)، واكثر حرية وكرامة وعدالة وسعادة وانفتاحاً وتطوراً وازدهاراً".
واعتبر ان "الاعتراف بفلسطين هو اثمن هدية تقدم للمشرق العربي بجميع طوائفهم مسيحيين ومسلمين. وهذا ما يضمن تحقيق اهداف السينودس لاجل الشرق الاوسط، واهداف الارشاد الرسولي الذي نشكركم عليه، هذا الاعتراف يمهد لربيع عربي حقيقي، ولديموقراطية حقيقية، ولثورة قادرة ان تغيّر وجه العالم العربي، وتؤمن السلام للارض المقدسة وللشرق الاوسط والعالم. العالم بحاجة الى البابا، (كما اكدته في وثيقة قدمتها الى قداستكم اثناء السينودس لاجل الشرق الاوسط)، بحاجة الى الوحدة، الى كنيسة قوية متماسكة، قادرة ان تحمل الى العالم قيم بشرى الانجيل المتجددة (...)".
Envoyé de mon iPad jtk
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.