لماذا لا يريد مسيحيّو سوريا اللجوء إلى لبنان؟
تجاوز عدد النازحين السوريين إلى لبنان الـ 75 ألفا من مختلف المناطق السورية. فقبل أسبوع سجّلت الإحصاءات الرسمية 70 ألف لاجئ، أما الباقون فتوزّعوا على الفنادق ومنازل الأقارب وهم في أكثريتهم من المسيحيين لم يتقدّموا من أي مركز من مراكز الإيواء والمنظمات الدولية إلّا في ما ندر. ما الذي تعنيه هذه المفارقة؟
من الطبيعي أن يكون عدد السوريين المسيحيين النازحين من سوريا، وفي قلبها، أقل بكثير من المواطنين السوريين المسلمين. فهم أقلية لا تتجاوز الـ 10 في المئة من سكان سوريا وأقلّ بقليل من نسبة العلويين فيها قبل الهجرة المسيحية منها منذ ثلاثة عقود. وقد طاولت المعارك التي دارت في أكبر المدن السورية، في العاصمة ووسط البلاد وشمالها شريحة واسعة من مناطق المسيحيين ما رفع عدد النازحين منهم إلى الحدود القصوى.
هجرة المسيحيين السوريين داخلية
وفي المعلومات المتداولة في أروقة مسيحية أوروبية كُلّفت متابعة ملف الهجرة المسيحية، إنّ هذه الهجرة بقيت سوريّة بينية وداخلية بنسبة عالية، ولذلك لم يصل من النازحين إلى لبنان أو العراق والأردن سوى نسبة ضئيلة جداً.
وفي المعلومات المتوافرة، إنّ حجم النزوح من أحياء المسيحيين في حمص وحماه وحلب وأريافها، إضافة إلى مناطق إدلب وشريط قصير من ريف حلب يمتد على طول الحدود التركية - السورية، بلغ الذروة بفعل المعارك التي دارت عند أبوابها والمناطق الاستراتيجية التي يتمتعون بها وأسواقهم التجارية والصناعية التي يغلب عليها الحضور المسيحي، حتى أنّ رعاتهم من رجال الدين - الذين حُرموا الحصانة التي يتمتعون بها عادة في الحروب - هجروا رعاياهم وغادروا سوريا أو انتقلوا إلى مناطق أخرى فيها تُعَدّ أكثر أمناً، فيما تحوّل لبنان بالنسبة اليهم معبراً موقتاً إلى دول أوروبية وأميركية.
ويقول العارفون إنّ هذا الواقع انعكس على عدد المسيحيين النازحين إلى لبنان ودول الجوار، فكان هو الأصغر حجماً قياساً بنسبة النزوح من طوائف ومذاهب إسلامية أخرى في لبنان والأردن وتركيا، فشكلت التجربة مع مسيحيي العراق حائلا دون التوجّه إليه بنحو شبه نهائي.
ما لا يريده المسيحيون السوريون
وتعترف جهات أوروبية، ومن بينها جمعيات ومؤسسات مسيحية أجرت مسحاً شاملاً لحركة نزوح السوريين المسيحيين بناء على طلب الفاتيكان، أنّ أبحاثها المعمقة على الأرض في المدن السورية المستهدفة كافة توصلت إلى نتائج اكثر دقة تعكس الصورة عينها.
وفي تقرير لإحدى هذه الجمعيات استندت فيه إلى استمارات ميدانية أنجزها مندوبون أوروبيون استعانوا بمجموعات من الشبان المسيحيين السوريين جالوا على القرى المسيحية في سوريا بداية السنة الجارية وبعد مرور أشهر على بدء الثورة السورية ما يؤشر إلى شكل هذه الهجرة وظروفها. وانتهت هذه التقارير إلى معادلة بسيطة مبنيّة على بعض المقومات الأساسية التي دلت إلى ما يريده المسيحيون السوريون. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- لا يريد المسيحيون السوريون أن يكونوا أداة في تصرّف النظام السوري وهو الذي ادعى حمايتهم لعقود من الزمن. لكن ذلك لم يُترجم سوى في خطاب النظام الخارجي، وتحديداً مع العالم الأوروبي، فهم لم يدخلوا الحكومات إلاّ نادراً ولا الإدارات الرسمية، ونوابهم حزبيون يتم اختيارهم في مراحل الترشح من مستوى اقتصادي ومالي وتجاري وصناعي محدد وفي ظروف تفتقر إلى أدنى أشكال الديموقراطية والحرية.
- لا يريد المسيحيون السوريون أن يتسلّحوا في مواجهة النظام، فقادة الثورة مجهولون بالنسبة اليهم وحين تعرفوا إلى بعضهم لم تكن تجربتهم مشجعة على الإطلاق لأنهم لا يريدون إلّا الشرعية السورية أيّاً يكن نظامها.
- لا يريد المسيحيون اللجوء أو النزوح إلى لبنان أو أي من دول الجوار، إلّا في ما ندر، وفي حال كانت هناك حالات قربى وتزاوج ومصالح اقتصادية واجتماعية محدودة جداً.
- يريد المسيحيون أن يغادروا بلدهم إلى أي دولة أوروبية أو أميركية. فالسريان والآشوريون مثلاً اختاروا السويد والدول المحيطة بها حيث سبقهم الآلاف منهم إلى هناك. واختار الموارنة والأرثوذكس والكاثوليك الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفرنسا واستراليا أو أي بلد يرون فيه ملجأ آمناً يعيشون فيه حياتهم العادية الآمنة.
ولماذا لا يريدون النزوح إلى لبنان؟
في اختصار كلي، أظهرت الإحصاءات أنّ نسبة كبيرة من المسيحيين لا تريد النزوح أو اللجوء إلى لبنان، ولا أن يكونوا في مرمى الانقسامات المسيحية في لبنان. فهم تابعوا بقلق بالغ ما عكسه الانقسام المسيحي إزاء الوضع في سوريا، كما بالنسبة إلى مستقبل الوضع في لبنان على خلفية الفرز القائم بين القيادات المسيحية، ولا يرون في لبنان موعداً مع الاستقرار المنشود، وإن أرادوا أو اختاروا النزوح إلى لبنان، فمن أجل أن يكون معبراً آمنا يوفر إجراء معاملات الهجرة أو العمل إلى الخارج.
ليس في هذه التقارير ما هو سري. فقد كانت معظم القيادات المسيحية على علم بما قامت به منظمات عدة جال مسؤولوها عليهم جميعاً وتسلموا تقارير مفصلة. لكنّ ردات الفعل بقيت محدودة لا تقاس بحجم المعاناة ولا بما كان مطلوباً من خطوات قياساً على توجهاتهم السياسية أو عجزهم عن اجتراح المعجزات والحلول لا أكثر ولا أقل.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.