Annahar 3/1/2013 - النازحون السوريون المسيحيون إلى بلدة القاع اللبنانية: أمضينا هنا ميلاد العيد وننتظر ميلاد الفرج
لم يأت "بابا نويل" الى منزل حلا ليعطيها هديتها، فهو لم يعد يعرف عنوان سكنها، لكن الصدفة جمعته بها في احد شوارع قرية القاع. اعطاها هدية، ربما لم تكن تتمنى وأهلها أن تحصل
عليها. تمسك حلا، ابنة العائلة السورية المسيحية النازحة، بلعبتها، ترفعها عالياً ثم ترطمها بالأرض. هي تظن انها بذلك تزيد نسبة متعتها، لكنها في الحقيقة تحقق، ولو رمزياً، آمال الكثيرين من أبناء بلدها. لعبتها كانت طائرة عسكرية، لكأن القدر لم يجد شيئاً آخر يقدمه لها، ولكأن الآلة الحربية التي ابعدتها وأهلها عن قريتهم وبلدهم، تلاحقهم الى حيث وجدوا شيئاً من الأمان.
تشكل القاع، تلك القرية المسيحية الملاصقة للحدود السورية البيئة الآمنة للنازحين السوريين المسيحيين من حمص، والذين يعتبرون انفسهم مستهدفين بنار قررت الا تدع اقلية او جماعة على الحياد.
أكثر من مئة عائلة مسيحية لجأت الى القاع هرباً من الحوادث السورية، غالبيتهم العظمى من ربلة، القرية السورية التي تبعد عن الحدود اللبنانية نحو ثلاثة كيلومترات، وبعضهم الآخر من أهالي القصير. في الواقع، القاع في حيزها الجغرافي الرسمي، ليست مستثناة من الامتداد الأمني للأزمة السورية. فـ"مشاريع القاع"، والتي ان لم يسكنها أهالي البلدة فإنها عقارياً تتبع لها، كما أنها نقطة عبورها الى الجانب السوري من الحدود، وهي تشهد اشتباكات مسلحة شبه يومية بين الجيش السوري وافراد من المعارضة المسلحة التي يشاع انها تجد بيئة حاضنة في "المشاريع".
لم تكن اجواء الميلاد في بيوت النازحين مثلها في بيوت غيرهم، ولم تكن أيضاً كما كانت في بيوتهم من حيث أتوا. لا احد منهم زيّن شجرة العيد، ولا احد عاش اجواء احتفالية. الميلاد عندهم كان فقط طقوساً إيمانية هذا العام، على أمل الخلاص "للوطن، وشعبه". يختار المسيحيون السوريون القاع لأنهم اصبحوا بعد الحوادث السورية غير ما كانوا قبلها. باتوا مقتنعين بأنهم "اقلية"، مستضعفون، وانهم سيتحولون ضحية الصراع بين طرفي النزاع. وفي القاع بيئة تشبه بيئتهم الى حد التطابق.
أمضى معظم النازحين المسيحيين يوم الميلاد في بيوتهم الصغيرة التي أستأجروها من اهل "القاع". بعضهم استقبل من أصبح على علاقة معه من أهل القرية للمعايدة. القاع أيضا تغيرت بعد الأزمة السورية. هي اليوم في كانون الأول تعجّ بالسكان، في حين تكون شبه فارغة في مثل هذا الوقت من السنة. فبالاضافة الى العائلات المسيحية وصل الى القاع نحو ألف عائلة سورية مسلمة سكنت في مخيمات. لكن الحركة التجارية لم تتحسن رغم ذلك في القاع، وفق المختار سمير عوض، فالدولة القطرية فتحت مكتباً للمساعدات في القرية وكذلك الامم المتحدة، "لكن حصرية الافادة كانت للنازحين المسلمين الذين حصلوا على المواد الغذائية والبطانيات والمازوت ووسائل التدفئة والملابس، اما المسيحيون فلم يحصلوا على شيء، فهم لم يسجلوا اسماءهم في لوائح النازحين خوفاً من ان يحسبوا على طرف من دون آخر".
لا تعرف عائلة جورج من العيد سوى اسمه، وعبارة "ينعاد عليكم". ينعاد؟ ينعاد العيد تقول زوجته، لكن ليس في هذه الظروف، انها أيام أعياد، ونحن لا نريد شيئاً سوى العودة الى بلدنا. يسكنون في بيت متواضع أستأجروه بـ250 دولاراً، "نجهل الى متى ستكفينا مدخراتنا، فنحن هنا مؤقتاً على أمل العودة القريبة الى بيوتنا".
الخطر، وفق جورج الذي رفض الكشف عن اسمه الحقيقي كغيره من النازحين المسيحيين، ليس في قريته الربلة، هي في الواقع قرية آمنة، والجيش النظامي يحيط بها من كل الجهات "لحمايتها من اعتداءات المسلحين، وهو في أحيان كثيرة يمنع الخروج منها للأسباب عينها". يتوقف جورج كثيراً عند عبارة المسلحين، يحاول ابعاد القضية من اطارها الطائفي، "هؤلاء كانوا اهلنا وجيراننا، كنا نقيم أعراسنا معهم، لا نعرف كيف تغيروا، فجأة لم يعودوا يعرفوننا". الخطر على ابناء ربلة يتمثل في الاخطار خلال الانتقال من القرية الى الداخل اللبناني حيث يعمل العديد منهم، فالمسافة الفاصلة بين القرية والحدود يسيطر عليها المسلحون: "قبل اسابيع اعتدوا على شباب يعملون بالفاعل واخذوا اموالهم، واليوم يخطفون سبع سوريين مسيحيين ويطلبون مبلغ مليوني ليرة سورية لاطلاق سراحهم". يخبرنا جورج بعيد تلقيه اتصالاً من ربلة يفيده بآخرمستجدات عملية الخطف.
ينفي جورج انه والمسيحيين مع النظام، "نحن نريد الأمن والعيش بسلام، ونحن ضد المسلحين الذين يسيطرون على بساتيننا، مصادر رزقنا، ويقطعون الاشجار ويبيعونها حطباً". لا يعلق جورج على عدم حصوله على المساعدات إلا بعبارة واحدة "لم نعتد على أخذ حسنة من احد، نعيش هنا بكرامتنا وعرق جبيننا".
انطوانيت هي أيضاً جاءت وزوجها الى لبنان، هي من القصير وزوجها من ربلة. لم تستأجر منزلاً، فابنتها متزوجة من لبناني وتسكن في لبنان. تقول ان العيد لا طعم له هذا العام، فهي بعيدة عن وطنها وأرضها ومعارفها، "العيد فرح، لكن أين الفرح في حياتنا اليوم كسوريين؟" العيد برمزيته الدينية هو فقط ما يعني انطوانيت، اما الباقي فذكريات يحجبها اليوم دخان المعارك الطاحنة الدائرة في سوريا. ترفض انطوانيت التقاط صورة لها لأسباب أمنية. تطلب عدم ذكر اسمها في التقرير. هي الآن حرة في البوح بما تريد: "في المنطق ليس أكثر، ليس من صفات الثائر الاعتداء على المدنيين، ولا سرقة المعدات الزراعية للمزارعين. ما يحصل انهم ينتقمون منا لكننا لا نعرف السبب، يقولون اننا نساند الجيش، ضد المسلحين، لكن هذا غير صحيح، نحن لسنا مع اي طرف من أطراف النزاع، نريد ان نبقى محيدين لننجو من هذا الحريق الكبير".
خلال الجولة في أزقة القاع التي يحرسها مزار السيدة الواقع في النقطة الأعلى من البلدة، نعرج على منزل الأب برنار بشور الذي يبذل منذ شهور جهوداً لتأمين المساعدات للنازحين السوريين "الذين سنبقى مستعدين لاستقبالهم لأنهم أهلنا". الى جانب شكواه من شح تقديمات الدولة في هذا السياق والاعتماد على ما تقدمه جهات كنسية محلية ودولية، يسترسل بشور في عرض سياسي اجتماعي تسقطه الازمة السورية عمرماً على هموم المسيحيين في الشرق: نعم لدينا هواجس لكننا نتمسك بفكرة الرجاء والخلاص التي تختزلها رسالتنا في هذه المنطقة، نريد العيش مع الآخر بسلام، كل ما نريده ان يعترف احدنا بالآخر".
وحده البرد في نهارات النازحين السوريين الى القاع يشبه الميلاد. يشبه تخيلنا له. اما بقية الطقوس والتقاليد الميلادية فتفاصيل ستبقى معلقة الى أجل من دون تاريخ... من دون ميلاد... حتى اشعار آخر مجهول!
Envoyé de mon iPad jtk
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.