افرام الثاني في مؤتمر الحضور المسيحي : نصلي من أجل نجاح جهود حكوماتنا وتضحيات جيشنا في محاربة الإرهاب
الثلاثاء 28 تشرين الأول 2014 الساعة 11:12 وطنية - نظمت بطريركية انطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس ومؤسسة برناباس مؤتمرا عن "الحضور المسيحي - واقع وآفاق وتطلعات"، في كنيسة مار افرام للسريان الأرثوذكس في حضور البطريرك مار اغناطيوس افرام الثاني، المطران بولس عبد الساتر ممثلا البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي، الدكتور محمد السماك ممثلا مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، توماس واكيم ممثلا الرئيس أمين الجميل، النائب جان أوغاسابيان، الوزيران السابقان نقولا صحناوي وابراهيم شمس الدين، ممثل المدير العام لمخابرات الجيش المقدم إيلي عقل، ممثل المدير العام لقوى الأمن الداخلي النقيب بشير عبود، المقدم بشارة الحداد ممثلا المدير العام لأمن الدولة، رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام، مدير العلاقات العامة في مكتب الرئيس سعد الحريري عدنان فاكهاني، لفيف من المطارنة والأساقفة وفاعليات.
وألقى البطريرك افرام الثاني كلمة قال فيها: "يطيب لنا أن نرحب بكم جميعا في افتتاح هذا المؤتمر وأن نشكر مؤسسة Barnabas Fund الخيرية، هذه المؤسسة التي شاركت بطريركيتنا السريانية الأرثوذكسية وكنائس المشرق عموما منذ سنين في مساعدة المحتاجين وإقامة النشاطات ودعم المشاريع التي تفيد المجتمع المسيحي في سوريا والعراق ولبنان، وتسهم معنا في بناء الإنسان عموما. كذلك، تعمل هذه المؤسسة على تخفيف وطأة الفقر وتشجيع المؤمنين على البقاء في أرضهم والثبات في الشرق من خلال البرامج التي تقوم بها".
أضاف :"يعود حضور المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط إلى فجر المسيحية، فنحن متجذرون في هذه الأرض منذ قديم الزمن. شهدنا، في مراحل تاريخية عدة، مآس كثيرة واضطهادات جعلتنا ننتقل من منطقة إلى أخرى ضمن أرض الآباء والأجداد. فكنا ننزح من رقعة إلى أخرى ونستقر في هذه البلاد. ولكن لم نبتعد يوما عن أرضنا كثيرا حتى بدأت موجة الهجرة في القرن الماضي، حيث ترك المشرق عدد كبير من أبنائنا وبدأوا يؤسسون جاليات وجماعات في ما بات يعرف بدول الاغتراب. فنما حضورنا في الخارج ونقصنا في الشرق، ولكن بقينا "خميرة صغيرة تخمر العجين كله". (1 كور 5: 6).
وتابع :"منذ مئة عام تقريبا، تعرضنا مع أشقائنا الأرمن لحملة إبادة جماعية ضمن حدود ما كان يعرف بالإمبراطورية العثمانية. فسقط من أبناء شعبنا السرياني ما يقارب النصف مليون شهيد. وهكذا قل عددنا وتغيرت ديموغرافيتنا فتلاشت أبرشيات بأكملها في بلاد ما بين النهرين والأناضول، كما استحدثت رعايا وأبرشيات جديدة تلملم الناجين من المذابح، تعصب جراحاتهم وتساعدهم على بناء حياتهم من جديد. حتى مقر البطريركية نقل من دير الزعفران في ماردين حيث استمر وجوده لأكثر من ستة قرون، فاستقر في حمص عندما اعتلى الكرسي الأنطاكي البطريرك مار إغناطيوس افرام برصوم عام 1932 ولم يسمح له بالإقامة في دير الزعفران. ثم انتقل المقر إلى دمشق عام 1958 في عهد سلفنا الأسبق البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث".
وقال :"اليوم نعامل كغرباء في أرضنا، فلا يمكننا القول إن بلدا في الشرق الأوسط سلم من يد الحرب والإرهاب والدمار. وها المشاكل والأزمات تتفاقم وينجم عنها استهداف المسيحيين وترهيبهم حتى يرحلوا مرغومين من بلادهم حيث نشأوا وعاشوا. فصرنا نواجه خيار الموت أو الهجرة. فالعراق يعاني من تدمير الكنائس، وطرد المؤمنين المسيحيين وتهجيرهم قسرا من بيوتهم وقراهم دون السماح لهم حتى بأخذ حاجاتهم الشخصية. وما هذه الحملة المنظمة ضد المسيحيين والأقليات الدينية والعرقية إلا نتيجة التطرف الديني وسياسة إلغاء الآخر التي تهدف إلى إبادة شعب مؤمن، مسالم، ذنبه أنه لم يتخذ من العنف سبيلا ولا من القتل أو الرد بالمثل نهجا. لا بل صبر على تاريخ طويل من الاضطهادات المستمرة والمعاناة التي تطول، محافظا على رسالته السامية، ألا وهي الشهادة للمسيح وعيش تعاليمه ونشر الحضارة والثقافة أينما وجد".
أضاف :"أما في سوريا فالوضع لا يختلف كثيرا ولا يحمل مؤشرات مطمئنة. وذلك بسبب وجود مجموعات إرهابية غريبة لا تعرف القيم والمبادىء التي تربى عليها السوريون تعبث بسلام المواطنين وعيشهم الكريم. وبعد أكثر من سنة ونصف ما زال المطرانان الجليلان مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم وبولس يازجي غائبين عنا. وقضية خطفهما تحمل أكثر من بعد: فعلى صعيد الكنيستين، هي قضية مؤلمة. فغيابهما عن أبرشيتيهما في حلب مع ما تعانيه تلك المدينة من انعدام الأمن وغياب المقومات الضرورية للحياة، أدخل الكنيسة في أزمة حقيقية. أما على صعيد الحضور المسيحي في سوريا، فهي رسالة تهويل وتخويف أراد منفذوها أن يدفعونا إلى ترك الوطن والاستسلام لليأس. ترافقت عمليات الخطف هذه بذبح الكهنة وتدمير الكنائس والمدارس في كل أنحاء سوريا، كأنهم يريدون تدمير الثقافة والحضارة وزرع زؤان التخلف والتطرف. والبارحة، استشهد شخصان أحدهما من أبناء كنيستنا من حي السريان في حلب جراء استمرار الاعتداءات فيها. والمؤسف أن هذه المجموعات الإرهابية المسلحة مدعومة - مع الأسف - من قبل سياسات خارجية تواطأت ضد سوريا وتمول بطرق مباشرة أو غير مباشرة من قبل دول إقليمية لها مصالحها الخاصة".
وتابع :"في لبنان، لم يعد الوجود المسيحي فيه كما كان في عهود سابقة. فالمشاكل التي يتخبط فيها البلد - وإن لم تكن موجهة ضد المسيحيين بشكل مباشر، ولكنها تساهم في تدهور حالهم وتسرع في إفراغ الوطن من مكونه المسيحي الذي يهرع نحو الهجرة كحل يضمن له سلاما وأمنا، وهو ما يحتاجه المسيحي للتطور والعمل والعيش بكرامة. ويقلقنا الوضع في عرسال وطرابلس والشمال حيث تستمر الاعتداءات التي من شأنها زعزعة الأمن والمس بهيبة الجيش اللبناني واستضعاف دوره وأهميته في تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن جميعهم".
وقال :"من جهة أخرى، لا يهدأ بال المسيحيين في مصر جراء الأعمال المخربة التي تستهدف الكنائس وغيرها والتي تشعرنا بأن المسيحي ليس مرحبا به أينما حل في الشرق الأوسط. ولكن، في خضم هذا التخابط بين الخير والشر، لا نزال نجد الأمل كما أن رجاءنا وطيد بأن الرب الذي خلقنا في هذه الأرض، هو الذي سيقوينا ويحمينا. ووجودنا في هذه البلاد إنما هو رسالة نحملها من أجل خير الإنسان وخير المسلمين قبل المسيحيين. وهذا ما نريد أن يدركه شركاؤنا من المسلمين في هذه البلاد فيعملوا معنا على تمتين التجذر المسيحي وتقوية حضوره الفعال".
أضاف :"إن دعم المسيحيين في الغرب - سواء كانوا متحدرين من أصل مشرقي أو لا - لإخوتهم الذين يعانون الأمرين في الشرق هو خير دليل على التعامل الإنساني ورسالة المحبة التي تربط الإنسان بربه وبأخيه الإنسان. نحن نتطلع بأمل في هذا التعاون القائم ونرى أنه مفيد جدا من ناحية ربط أوصال الاتصال بين الشرق والغرب وأواصر الوحدة المسيحية في كنيسة المسيح الواحدة. ومن الناحية الإنسانية، نشكر ونثمن كل الجهود التي تبذلها المؤسسات الخيرية في أنحاء العالم كافة لدعم المشردين والمحتاجين، ومنها بشكل خاص مؤسسة Barnabas Fund التي تساعد في تأمين الحاجات الملحة والمعونات الإنسانية للمسيحيين وغير المسيحيين الذين تسببت الأزمة في تشريدهم وبؤسهم. كل هذه المؤسسات تعمل مع الكنائس في الشرق للحفاظ على كرامة الإنسان وتلبية حاجات المساكين وتغطية العوز الكبير الذي يعيشونه".
وتابع :"من جهة أخرى، نشير إلى أهمية دور المسلمين المعتدلين، الذين يعكسون وجه الإسلام الحضاري، في تهدئة الأوضاع والحفاظ على الوجود المسيحي في المشرق. في قمة العطشانة التي دعينا إليها في 23 تموز الماضي، كنا قد دعونا المسلمين إلى الخروج عن صمتهم وتوضيح موقفهم من كل الجماعات التكفيرية. فقناعتنا هي أن الإسلام هو المتضرر الأول بل الخاسر الأكبر من نمو هذه التيارات المتطرفة التي ستقضي على الإسلام قبل المسيحية. لذلك، نطلب من المرجعيات الروحية الإسلامية رفع الصوت عاليا وإدانة الأعمال الإرهابية بشكل واضح وصريح، بل وإصدار الفتاوى التي من شأنها منع المسلمين من المساس بالكنائس وتدنيسها والتعدي على المسيحيين والتعرض لهم. كما نلح على القيادات الروحية المسلمة على اعتماد تفسير للنص القرآني مبني على الاعتدال والتعاليم التي تشجع الانفتاح على الآخر وقبوله. من خلال بناء الجسور في العلاقات مع المسلمين في مجتمعاتنا، نسعى إلى تسليط الضوء على القيم الرفيعة والمزايا الحسنة التي تحترم الإنسان وحقوقه. فنرفض معا كل إيديولوجيا دينية تنادي بإلغاء الآخر ونعمل معا أيضا على الحفاظ على الأخلاق والقيم للمجتمع المدني العلماني. في هكذا مجتمع، تكون لكل مواطن مكانته ولا يعامل أحد كمواطن من درجة ثانية أو ثالثة كما بتنا نشهد في أيامنا هذه".
وقال:"أما في موضوع الهجرة، آفتنا الكبرى، فنحن ندعو باستمرار إلى التمسك بالأرض والتشبث بها مهما تفاقمت الضربات واشتدت الضيقات مع قناعتنا الكاملة بأن قرار الهجرة هو قرار شخصي وعائلي ولكي نشجع أبناء الكنيسة على البقاء. لا بد من العمل على خلق جو من الاستقرار يؤمن الأمان للجميع وإنشاء فرص عمل تحاكي طموحات الشباب وتناسب مواهبهم وطاقاتهم. وهنا يكمن دور الدول والحكومات في تحمل مسؤولياتها ولعب دورها الذي لا نقدر نحن رجال الدين أن نقوم به".
وأضاف: "إننا نؤمن أن الله الذي دعانا لحمل رسالة البشارة في هذه الأرض، هو الذي يدافع عنا ويشدد ضعفنا بل يحوله إلى قوة. انطلاقا من هذا الإيمان المتين بقدرة الله ومحبته ورحمته، نلتفت إلى واقعنا بعين مليئة رجاء بأن كل هذه الأزمات في الشرق الأوسط ستنتهي. فلا بد لمحبة الإنسان أن تنتصر على الكراهية، ولا بد للخير أن يعم على الجميع. ومن هنا، نصلي من أجل نجاح كل الجهود التي تبذلها حكوماتنا والتضحيات التي يقدمها أفراد الجيش والقوات المسلحة من أجل محاربة الإرهاب بكافة أنواعه. فمحاربة داعش مثلا هي خطوة إيجابية نحو الحل والولايات المتحدة الأميركية التي تحارب داعش في سوريا مدعوة للتنسيق مع الحكومة السورية للقضاء على الإرهاب على أراضيها. كما ندعو الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى العمل على الوقف الفوري للجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية في سوريا فهذه كلها وصمة عار في تاريخ البشر والسكوت عنها جريمة أقبح".
وقال: "في شمال العراق، نسعى للحل السلمي للاجئين وتأمين العودة الآمنة لهم إلى بيوتهم في قرى وبلدات سهل نينوى والموصل. يحتاج هؤلاء اللاجئون إلى ضمانة بتوفير الحماية الدولية وإقامة منطقة تكون ملاذا آمنا يعيشون فيه. وتكون هذه الحماية الدولية موقتة حتى زوال الخطر الذي يهددهم أو يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وإدارة شؤونهم بنفسهم. وهذا ما دعت إليه حكومة وبرلمان العراق حيث اقترحت تخصيص محافظة جديدة باسم محافظة سهل نينوى للمسيحيين وغيرهم من الأقليات. والحل الآخر يكون بضم منطقة سهل نينوى إلى كردستان على أن تتمتع الأقليات الدينية والعرقية التي تشكل الأكثرية فيه بنوع من الحكم الذاتي. وهذا أيضا مبني على بعض مواد دستور إقليم كردستان - العراق. وخلال لقاءاتنا الكثيرة والمكثفة مع المسؤولين السياسيين في العراق وخارجه، شددنا على أن الدفاع عن المسيحيين لا يجب أن يقترن بمصالح اقتصادية أو أخرى للدول، بل يجب أن يقوم على مبدأ الدفاع عن الإنسانية وردع الوحشية والإرهاب. فالتحرك نحو محاربة الإرهاب لا يجب أن يرتبط بالمصالح، بل أن ينطلق من قبل الحرص على الإنسان وكرامته وحقوقه".
وختم:"فيما يتطلع الشعب المسيحي كله في الشرق الأوسط إلى السلام وينتظر الفرج، نتساءل: أي مستقبل ينتظرنا؟ كيف يحقق الشباب أحلامهم؟ هل سيدعونا نعيش في أرضنا؟ ونقول: لم نفقد الأمل، بل نؤمن أنه من الممكن تطبيق الحلول السلمية وأنه من المستطاع بلوغ مرحلة نعيش فيها مع شركائنا في الوطن جنبا إلى جنب حيث يكون لكل احترامه ودوره ووجوده الفعال".
============= ج.س
وألقى البطريرك افرام الثاني كلمة قال فيها: "يطيب لنا أن نرحب بكم جميعا في افتتاح هذا المؤتمر وأن نشكر مؤسسة Barnabas Fund الخيرية، هذه المؤسسة التي شاركت بطريركيتنا السريانية الأرثوذكسية وكنائس المشرق عموما منذ سنين في مساعدة المحتاجين وإقامة النشاطات ودعم المشاريع التي تفيد المجتمع المسيحي في سوريا والعراق ولبنان، وتسهم معنا في بناء الإنسان عموما. كذلك، تعمل هذه المؤسسة على تخفيف وطأة الفقر وتشجيع المؤمنين على البقاء في أرضهم والثبات في الشرق من خلال البرامج التي تقوم بها".
أضاف :"يعود حضور المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط إلى فجر المسيحية، فنحن متجذرون في هذه الأرض منذ قديم الزمن. شهدنا، في مراحل تاريخية عدة، مآس كثيرة واضطهادات جعلتنا ننتقل من منطقة إلى أخرى ضمن أرض الآباء والأجداد. فكنا ننزح من رقعة إلى أخرى ونستقر في هذه البلاد. ولكن لم نبتعد يوما عن أرضنا كثيرا حتى بدأت موجة الهجرة في القرن الماضي، حيث ترك المشرق عدد كبير من أبنائنا وبدأوا يؤسسون جاليات وجماعات في ما بات يعرف بدول الاغتراب. فنما حضورنا في الخارج ونقصنا في الشرق، ولكن بقينا "خميرة صغيرة تخمر العجين كله". (1 كور 5: 6).
وتابع :"منذ مئة عام تقريبا، تعرضنا مع أشقائنا الأرمن لحملة إبادة جماعية ضمن حدود ما كان يعرف بالإمبراطورية العثمانية. فسقط من أبناء شعبنا السرياني ما يقارب النصف مليون شهيد. وهكذا قل عددنا وتغيرت ديموغرافيتنا فتلاشت أبرشيات بأكملها في بلاد ما بين النهرين والأناضول، كما استحدثت رعايا وأبرشيات جديدة تلملم الناجين من المذابح، تعصب جراحاتهم وتساعدهم على بناء حياتهم من جديد. حتى مقر البطريركية نقل من دير الزعفران في ماردين حيث استمر وجوده لأكثر من ستة قرون، فاستقر في حمص عندما اعتلى الكرسي الأنطاكي البطريرك مار إغناطيوس افرام برصوم عام 1932 ولم يسمح له بالإقامة في دير الزعفران. ثم انتقل المقر إلى دمشق عام 1958 في عهد سلفنا الأسبق البطريرك مار إغناطيوس يعقوب الثالث".
وقال :"اليوم نعامل كغرباء في أرضنا، فلا يمكننا القول إن بلدا في الشرق الأوسط سلم من يد الحرب والإرهاب والدمار. وها المشاكل والأزمات تتفاقم وينجم عنها استهداف المسيحيين وترهيبهم حتى يرحلوا مرغومين من بلادهم حيث نشأوا وعاشوا. فصرنا نواجه خيار الموت أو الهجرة. فالعراق يعاني من تدمير الكنائس، وطرد المؤمنين المسيحيين وتهجيرهم قسرا من بيوتهم وقراهم دون السماح لهم حتى بأخذ حاجاتهم الشخصية. وما هذه الحملة المنظمة ضد المسيحيين والأقليات الدينية والعرقية إلا نتيجة التطرف الديني وسياسة إلغاء الآخر التي تهدف إلى إبادة شعب مؤمن، مسالم، ذنبه أنه لم يتخذ من العنف سبيلا ولا من القتل أو الرد بالمثل نهجا. لا بل صبر على تاريخ طويل من الاضطهادات المستمرة والمعاناة التي تطول، محافظا على رسالته السامية، ألا وهي الشهادة للمسيح وعيش تعاليمه ونشر الحضارة والثقافة أينما وجد".
أضاف :"أما في سوريا فالوضع لا يختلف كثيرا ولا يحمل مؤشرات مطمئنة. وذلك بسبب وجود مجموعات إرهابية غريبة لا تعرف القيم والمبادىء التي تربى عليها السوريون تعبث بسلام المواطنين وعيشهم الكريم. وبعد أكثر من سنة ونصف ما زال المطرانان الجليلان مار غريغوريوس يوحنا إبراهيم وبولس يازجي غائبين عنا. وقضية خطفهما تحمل أكثر من بعد: فعلى صعيد الكنيستين، هي قضية مؤلمة. فغيابهما عن أبرشيتيهما في حلب مع ما تعانيه تلك المدينة من انعدام الأمن وغياب المقومات الضرورية للحياة، أدخل الكنيسة في أزمة حقيقية. أما على صعيد الحضور المسيحي في سوريا، فهي رسالة تهويل وتخويف أراد منفذوها أن يدفعونا إلى ترك الوطن والاستسلام لليأس. ترافقت عمليات الخطف هذه بذبح الكهنة وتدمير الكنائس والمدارس في كل أنحاء سوريا، كأنهم يريدون تدمير الثقافة والحضارة وزرع زؤان التخلف والتطرف. والبارحة، استشهد شخصان أحدهما من أبناء كنيستنا من حي السريان في حلب جراء استمرار الاعتداءات فيها. والمؤسف أن هذه المجموعات الإرهابية المسلحة مدعومة - مع الأسف - من قبل سياسات خارجية تواطأت ضد سوريا وتمول بطرق مباشرة أو غير مباشرة من قبل دول إقليمية لها مصالحها الخاصة".
وتابع :"في لبنان، لم يعد الوجود المسيحي فيه كما كان في عهود سابقة. فالمشاكل التي يتخبط فيها البلد - وإن لم تكن موجهة ضد المسيحيين بشكل مباشر، ولكنها تساهم في تدهور حالهم وتسرع في إفراغ الوطن من مكونه المسيحي الذي يهرع نحو الهجرة كحل يضمن له سلاما وأمنا، وهو ما يحتاجه المسيحي للتطور والعمل والعيش بكرامة. ويقلقنا الوضع في عرسال وطرابلس والشمال حيث تستمر الاعتداءات التي من شأنها زعزعة الأمن والمس بهيبة الجيش اللبناني واستضعاف دوره وأهميته في تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الوطن جميعهم".
وقال :"من جهة أخرى، لا يهدأ بال المسيحيين في مصر جراء الأعمال المخربة التي تستهدف الكنائس وغيرها والتي تشعرنا بأن المسيحي ليس مرحبا به أينما حل في الشرق الأوسط. ولكن، في خضم هذا التخابط بين الخير والشر، لا نزال نجد الأمل كما أن رجاءنا وطيد بأن الرب الذي خلقنا في هذه الأرض، هو الذي سيقوينا ويحمينا. ووجودنا في هذه البلاد إنما هو رسالة نحملها من أجل خير الإنسان وخير المسلمين قبل المسيحيين. وهذا ما نريد أن يدركه شركاؤنا من المسلمين في هذه البلاد فيعملوا معنا على تمتين التجذر المسيحي وتقوية حضوره الفعال".
أضاف :"إن دعم المسيحيين في الغرب - سواء كانوا متحدرين من أصل مشرقي أو لا - لإخوتهم الذين يعانون الأمرين في الشرق هو خير دليل على التعامل الإنساني ورسالة المحبة التي تربط الإنسان بربه وبأخيه الإنسان. نحن نتطلع بأمل في هذا التعاون القائم ونرى أنه مفيد جدا من ناحية ربط أوصال الاتصال بين الشرق والغرب وأواصر الوحدة المسيحية في كنيسة المسيح الواحدة. ومن الناحية الإنسانية، نشكر ونثمن كل الجهود التي تبذلها المؤسسات الخيرية في أنحاء العالم كافة لدعم المشردين والمحتاجين، ومنها بشكل خاص مؤسسة Barnabas Fund التي تساعد في تأمين الحاجات الملحة والمعونات الإنسانية للمسيحيين وغير المسيحيين الذين تسببت الأزمة في تشريدهم وبؤسهم. كل هذه المؤسسات تعمل مع الكنائس في الشرق للحفاظ على كرامة الإنسان وتلبية حاجات المساكين وتغطية العوز الكبير الذي يعيشونه".
وتابع :"من جهة أخرى، نشير إلى أهمية دور المسلمين المعتدلين، الذين يعكسون وجه الإسلام الحضاري، في تهدئة الأوضاع والحفاظ على الوجود المسيحي في المشرق. في قمة العطشانة التي دعينا إليها في 23 تموز الماضي، كنا قد دعونا المسلمين إلى الخروج عن صمتهم وتوضيح موقفهم من كل الجماعات التكفيرية. فقناعتنا هي أن الإسلام هو المتضرر الأول بل الخاسر الأكبر من نمو هذه التيارات المتطرفة التي ستقضي على الإسلام قبل المسيحية. لذلك، نطلب من المرجعيات الروحية الإسلامية رفع الصوت عاليا وإدانة الأعمال الإرهابية بشكل واضح وصريح، بل وإصدار الفتاوى التي من شأنها منع المسلمين من المساس بالكنائس وتدنيسها والتعدي على المسيحيين والتعرض لهم. كما نلح على القيادات الروحية المسلمة على اعتماد تفسير للنص القرآني مبني على الاعتدال والتعاليم التي تشجع الانفتاح على الآخر وقبوله. من خلال بناء الجسور في العلاقات مع المسلمين في مجتمعاتنا، نسعى إلى تسليط الضوء على القيم الرفيعة والمزايا الحسنة التي تحترم الإنسان وحقوقه. فنرفض معا كل إيديولوجيا دينية تنادي بإلغاء الآخر ونعمل معا أيضا على الحفاظ على الأخلاق والقيم للمجتمع المدني العلماني. في هكذا مجتمع، تكون لكل مواطن مكانته ولا يعامل أحد كمواطن من درجة ثانية أو ثالثة كما بتنا نشهد في أيامنا هذه".
وقال:"أما في موضوع الهجرة، آفتنا الكبرى، فنحن ندعو باستمرار إلى التمسك بالأرض والتشبث بها مهما تفاقمت الضربات واشتدت الضيقات مع قناعتنا الكاملة بأن قرار الهجرة هو قرار شخصي وعائلي ولكي نشجع أبناء الكنيسة على البقاء. لا بد من العمل على خلق جو من الاستقرار يؤمن الأمان للجميع وإنشاء فرص عمل تحاكي طموحات الشباب وتناسب مواهبهم وطاقاتهم. وهنا يكمن دور الدول والحكومات في تحمل مسؤولياتها ولعب دورها الذي لا نقدر نحن رجال الدين أن نقوم به".
وأضاف: "إننا نؤمن أن الله الذي دعانا لحمل رسالة البشارة في هذه الأرض، هو الذي يدافع عنا ويشدد ضعفنا بل يحوله إلى قوة. انطلاقا من هذا الإيمان المتين بقدرة الله ومحبته ورحمته، نلتفت إلى واقعنا بعين مليئة رجاء بأن كل هذه الأزمات في الشرق الأوسط ستنتهي. فلا بد لمحبة الإنسان أن تنتصر على الكراهية، ولا بد للخير أن يعم على الجميع. ومن هنا، نصلي من أجل نجاح كل الجهود التي تبذلها حكوماتنا والتضحيات التي يقدمها أفراد الجيش والقوات المسلحة من أجل محاربة الإرهاب بكافة أنواعه. فمحاربة داعش مثلا هي خطوة إيجابية نحو الحل والولايات المتحدة الأميركية التي تحارب داعش في سوريا مدعوة للتنسيق مع الحكومة السورية للقضاء على الإرهاب على أراضيها. كما ندعو الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى العمل على الوقف الفوري للجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية في سوريا فهذه كلها وصمة عار في تاريخ البشر والسكوت عنها جريمة أقبح".
وقال: "في شمال العراق، نسعى للحل السلمي للاجئين وتأمين العودة الآمنة لهم إلى بيوتهم في قرى وبلدات سهل نينوى والموصل. يحتاج هؤلاء اللاجئون إلى ضمانة بتوفير الحماية الدولية وإقامة منطقة تكون ملاذا آمنا يعيشون فيه. وتكون هذه الحماية الدولية موقتة حتى زوال الخطر الذي يهددهم أو يتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم وإدارة شؤونهم بنفسهم. وهذا ما دعت إليه حكومة وبرلمان العراق حيث اقترحت تخصيص محافظة جديدة باسم محافظة سهل نينوى للمسيحيين وغيرهم من الأقليات. والحل الآخر يكون بضم منطقة سهل نينوى إلى كردستان على أن تتمتع الأقليات الدينية والعرقية التي تشكل الأكثرية فيه بنوع من الحكم الذاتي. وهذا أيضا مبني على بعض مواد دستور إقليم كردستان - العراق. وخلال لقاءاتنا الكثيرة والمكثفة مع المسؤولين السياسيين في العراق وخارجه، شددنا على أن الدفاع عن المسيحيين لا يجب أن يقترن بمصالح اقتصادية أو أخرى للدول، بل يجب أن يقوم على مبدأ الدفاع عن الإنسانية وردع الوحشية والإرهاب. فالتحرك نحو محاربة الإرهاب لا يجب أن يرتبط بالمصالح، بل أن ينطلق من قبل الحرص على الإنسان وكرامته وحقوقه".
وختم:"فيما يتطلع الشعب المسيحي كله في الشرق الأوسط إلى السلام وينتظر الفرج، نتساءل: أي مستقبل ينتظرنا؟ كيف يحقق الشباب أحلامهم؟ هل سيدعونا نعيش في أرضنا؟ ونقول: لم نفقد الأمل، بل نؤمن أنه من الممكن تطبيق الحلول السلمية وأنه من المستطاع بلوغ مرحلة نعيش فيها مع شركائنا في الوطن جنبا إلى جنب حيث يكون لكل احترامه ودوره ووجوده الفعال".
============= ج.س
Envoyé de mon Ipad
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire
Remarque : Seul un membre de ce blog est autorisé à enregistrer un commentaire.